أَيْ: بَيَّنَهَا وَشَرَحَهَا خَبِيرٌ بِكَيْفِيَّاتِ الْأُمُورِ انْتَهَى. وَلَا يُرِيدُ أَنَّ مِنْ لَدُنْ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلَيْنِ مَعًا مِنْ حَيْثُ صِنَاعَةُ الْإِعْرَابِ، بَلْ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِعْمَالِ، فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَإِنْ لَا تَعْبُدُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنْ حَرْفَ تَفْسِيرٍ، لِأَنَّ فِي تَفْصِيلِ الْآيَاتِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَهَذَا أَظْهَرُ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارٍ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ لِأَنْ لَا تَعْبُدُوا أَوْ بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا، فَيَكُونُ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَوُصِلَتْ أَنْ بِالنَّهْيِ. وَقِيلَ: أَنْ نَصَبَتْ لَا تَعْبُدُوا، فَالْفِعْلُ خَبَرٌ مَنْفِيٌّ. وَقِيلَ: أَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَجُمْلَةُ النَّهْيِ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَفِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْعَامِلُ فُصِّلَتْ. وَأَمَّا مَنْ أَعْرَبَهُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ لَفْظِ آيَاتُ أَوْ مِنْ مَوْضِعِهَا، أَوِ التَّقْدِيرُ:
مِنَ النَّظَرِ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، أَوْ فِي الْكِتَابِ أَلَّا تَعْبُدُوا، أَوْ هِيَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا، أَوْ ضَمِنَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا، أو تفصله أَنْ لَا تَعْبُدُوا، فَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ عِلْمِ الْإِعْرَابِ. وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي مِنْهُ إِلَى اللَّهِ أَيْ: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مِنْ جِهَتِهِ وَبَشِيرٌ، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، فَتُعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: كَائِنٌ مِنْ جِهَتِهِ. أَوْ تُعَلَّقُ بِنَذِيرٍ أَيْ: أُنْذِرُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ إِنْ كَفَرْتُمْ، وَأُبَشِّرُكُمْ بِثَوَابِهِ إِنْ آمَنْتُمْ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْكِتَابَةِ أَيْ: نَذِيرٌ لَكُمْ مِنْ مُخَالَفَتِهِ، وَبَشِيرٌ مِنْهُ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ بِهِ.
وَقُدِّمَ النَّذِيرُ لِأَنَّ التَّخْوِيفَ هُوَ الْأَهَمُّ. وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْ لَا تَعْبُدُوا، نَهْيٌ أَوْ نَفْيٌ أَيْ: لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ. وَأَمْرٌ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنَ الذُّنُوبِ، ثُمَّ بِالتَّوْبَةِ، وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُتَبَايِنَانِ، لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةَ وَهِيَ السَّتْرُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهَا تَبِعَةٌ. وَالتَّوْبَةُ الِانْسِلَاخُ مِنَ الْمَعَاصِي، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهَا، وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا. وَمَنْ قَالَ: الِاسْتِغْفَارُ تَوْبَةٌ، جَعَلَ قَوْلَهُ: ثُمَّ تُوبُوا، بِمَعْنَى أَخْلِصُوا التَّوْبَةَ وَاسْتَقِيمُوا عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَثُمَّ مُرَتِّبَةٌ، لِأَنَّ الْكَافِرَ أَوَّلُ مَا يُنِيبُ، فَإِنَّهُ فِي طَلَبِ مَغْفِرَةِ رَبِّهِ، فَإِذَا تَابَ وَتَجَرَّدَ مِنَ الْكُفْرِ تَمَّ إِيمَانُهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مَا مَعْنَى ثُمَّ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ؟ (قُلْتُ) : مَعْنَاهُ اسْتَغْفِرُوا مِنَ الشِّرْكِ، ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَابْنُ هُرْمُزَ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: يُمْتِعْكُمْ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ أَمْتَعَ، وَانْتَصَبَ مَتَاعًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ جَازَ عَلَى غَيْرِ الْفِعْلِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ. لِأَنَّكَ تَقُولُ: مَتَّعْتُ زَيْدًا ثَوْبًا، وَالْمَتَاعُ الْحَسَنُ الرِّضَا بِالْمَيْسُورِ وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَقْدُورِ، أَوْ حُسْنُ الْعَمَلِ وَقَطْعُ الْأَمَلِ، أَوِ النِّعْمَةُ الْكَافِيَةُ مَعَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، أَوِ الْحَلَالُ الَّذِي لَا طَلَبَ فِيهِ وَلَا تَعَبَ، أَوْ لُزُومُ الْقَنَاعَةِ وَتَوْفِيقُ الطَّاعَةِ أَقْوَالٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَطُولُ نَفْعُكُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَنَافِعَ حَسَنَةٍ مُرْضِيَةٍ، وَعِيشَةٍ وَاسِعَةٍ، وَنِعْمَةٍ مُتَتَابِعَةٍ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقِيلَ هُوَ فَوَائِدُ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ. لِأَنَّ الْكُفَّارَ يُشَارِكُونَ فِي ذَلِكَ