انْتَهَى، وَقِيلَ الضَّمِيرُ فِي وَإِنْ يُرِيدُوا عَائِدٌ عَلَى الَّذِينَ قِيلَ فِي حَقِّهِمْ: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ «1» أَيْ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فِي إِظْهَارِ الصُّلْحِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي وَإِنْ يُرِيدُوا عَائِدٌ عَلَى الْأَسْرَى، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي سَرْحٍ فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ فَيُمْكِنُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَيَّنَ أَمْرَهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَهَذِهِ نَزَلَتْ عَقِيبَ بدر.

[سورة الأنفال (8) : آية 72]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)

قَسَّمَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا فَبَدَأَ بِالْمُهَاجِرِينَ لِأَنَّهُمْ أَصْلُ الْإِسْلَامِ وَأَوَّلُ من استجاب الله فَهَاجَرَ قَوْمٌ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَوْمٌ إِلَى الْحَبَشَةِ وَقَوْمٌ إِلَى ابْنِ ذِي يَزَنَ ثُمَّ هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانُوا قُدْوَةً لِغَيْرِهِمْ فِي الْإِيمَانِ وَسَبَبَ تَقْوِيَةِ الدِّينِ

«مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

وَثَنَّى بِالْأَنْصَارِ لِأَنَّهُمْ سَاوَوْهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَفِي الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ لَكِنَّهُ عَادَلَ الْهِجْرَةَ الْإِيوَاءَ وَالنَّصْرَ وَانْفَرَدَ الْمُهَاجِرُونَ بِالسَّبْقِ وَذَكَرَ ثَالِثًا مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَلَمْ يَنْصُرْ فَفَاتَهُمْ هَاتَانِ الْفَضِيلَتَانِ وَحُرِمُوا الْوَلَايَةَ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَمَعْنَى أَوْلِياءُ بَعْضٍ فِي النُّصْرَةِ وَالتَّعَاوُنِ والموازرة، كَمَا جَاءَ فِي غَيْرِ آيَةٍ نَحْوُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ «2» .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وقتادة: ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ آخَى الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكَانَ الْمُهَاجِرِيُّ يَرِثُهُ أَخُوهُ الْأَنْصَارِيُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِالْمَدِينَةِ وَلِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الْمُهَاجِرِيِّ.

قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَاسْتَمَرَّ أَمْرُهُمْ كَذَلِكَ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ تَوَارَثُوا بَعْدُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ هِجْرَةٌ فَمَعْنَى مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ نَفْيُ الْمُوَالَاةِ فِي التَّوَارُثِ وَكَانَ قوله:

وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى نَسْخًا لِذَلِكَ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمَعْنَى فِي نَفْيِ الْوَلَايَةِ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لِلْحَالِ إِذْ لَا يُمْكِنُ وَلَايَتُهُ وَنَصْرُهُ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَبَيْنَهُمْ وَفِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015