وَالْوَاوُ فِي يَمُدُّونَهُمْ عَائِدَةٌ عَلَى الشَّيَاطِينِ وَإِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ يَمُدُّونَهُمْ الشَّيَاطِينُ وَيَكُونُ الْخَبَرُ جَرَى عَلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ، لِأَنَّ الْإِمْدَادَ مُسْنَدٌ إِلَى الشَّيَاطِينِ لَا لِإِخْوَانِهِمْ وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ:
قَوْمٌ إِذَا الْخَيْلُ جَالُوا فِي كَوَاثِيهَا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَلَيْهِ فَسَّرَ الطَّبَرِيُّ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ أَوْجُهٌ لِأَنَّ إِخْوانُهُمْ فِي مُقَابَلَةِ الَّذِينَ اتَّقَوْا، وَقَرَأَ نَافِعٌ يَمُدُّونَهُمْ مُضَارِعُ أَمَدَّ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ يَمُدُّونَهُمْ مِنْ مَدَّ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (?) ، وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ يُمَادُّونَهُمْ مِنْ مَادَّ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَا يُقْصِرُونَ مِنْ أَقْصَرَ أَيْ كَفَّ. قَالَ الشَّاعِرُ:
لَعَمْرُكَ مَا قَلْبِي إِلَى أَهْلِهِ بِحُرْ ... وَلَا مُقْصِرٌ يَوْمًا فَيَأْتِيَنِي بقر
أي ولا نَازِعٌ عَمَّا هُوَ فِيهِ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ مِنْ قَصَرَ أَيْ ثُمَّ لَا يَنْقُصُونَ مِنْ إِمْدَادِهِمْ وَغَوَايَتِهِمْ وَقَدْ أَبْعَدَ الزَّجَّاجُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِخْوانُهُمْ
الْآيَةَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَكَلُّفِ ذَلِكَ بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُتَنَاسِقٌ أَخَذَ بَعْضُهُ بِعُنُقِ بَعْضٍ لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الْمُتَّقِينَ مَعَ الشَّيَاطِينِ بَيَّنَ حَالَ غَيْرِ الْمُتَّقِينَ مَعَهُمْ وَأَنَّ أُولَئِكَ يَنْفُسُ مَا يَمَسُّهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ مَاسٌ أَقْلَعُوا عَلَى الْفَوْرِ وَهَؤُلَاءِ فِي إِمْدَادٍ مِنَ الْغَيِّ وَعَدَمِ نُزُوعٍ عَنْهُ.
وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها.
رُوِيَ أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَتَأَخَّرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أَحْيَانًا فَكَانَ الْكُفَّارُ يَقُولُونَ: هَلَّا اجْتَبَيْتَهَا
وَمَعْنَى اللَّفْظَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَخَيَّرْتَهَا وَاصْطَفَيْتَهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمُ: الْمُرَادُ هَلَّا اخْتَرَعْتَهَا وَاخْتَلَقْتَهَا مَنْ قِبَلِكَ وَمِنْ عِنْدِ نَفْسِكَ وَالْمَعْنَى أَنَّ كَلَامَكَ كُلَّهُ كَذَلِكَ عَلَى مَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَدَّعِيهِ كما قَالُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ (?) ، قَالَ الْفَرَّاءُ تَقُولُ الْعَرَبُ اجْتَبَيْتُ الْكَلَامَ وَاخْتَلَقْتُهُ وَارْتَجَلْتُهُ إِذَا افْتَعَلْتَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: اجْتَبَى الشَّيْءَ بِمَعْنَى جَبَاهُ لِنَفْسِهِ أي جمعه كقوله اجتمعه أَوْ جَبَى إِلَيْهِ فَاجْتَبَاهُ أَيْ أَخَذَهُ كَقَوْلِكَ: جَلَيْتُ الْعَرُوسَ إِلَيْهِ فَاجْتَلَاهَا وَالْمَعْنَى هَلَّا اجْتَمَعْتَهَا افْتِعَالًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالضَّحَّاكُ: هَلَّا تَلَقَّيْتَهَا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَلَّا أَخَذْتَهَا مُنَزَّلَةً عَلَيْكَ مُقْتَرَحَةً انْتَهَى، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ مِنْ نَتَائِجِ الْإِمْدَادِ فِي الغيّ