بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِهِمْ فَلَا يُطِيعُونَ وَفِيمَا مَضَى مِنْهَا فَلَا يَنْدَمُونَ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَالْآخَرَانِ فِيمَا مَلَكَتْهُ أَيْمَانُهُمْ فَلَا يُنْفِقُونَهُ فِي مَعْرُوفٍ وَمِنْ قَبْلِ فَقْرِهِمْ فَلَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ مَحْظُورٍ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ حَاكِيًا عَنْ مَنْ سَمَّاهُ هُوَ حُكَمَاءُ الْإِسْلَامِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمُ الْقُوَّةُ الْخَيَالِيَّةُ وَهِيَ تَجْمَعُ مِثْلَ الْمَحْسُوسَاتِ وَصُوَرِهَا وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْبَطْنِ الْمُقَدَّمِ مِنَ الدِّمَاغِ وَمِنْ خَلْفِهِمُ الْقُوَّةُ الْوَهْمِيَّةُ وَهِيَ تَحْكُمُ فِي غَيْرِ الْمَحْسُوسَاتِ بِالْأَحْكَامِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْمَحْسُوسَاتِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْبَطْنِ الْمُؤَخَّرِ مِنَ الدِّمَاغِ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ قُوَّةُ الشَّهْوَةِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْبَطْنِ الْأَيْمَنِ مِنَ الْقَلْبِ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ قُوَّةُ الْغَضَبِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْبَطْنِ الْأَيْسَرِ مِنَ الْقَلْبِ فَهَذِهِ الْقُوَى الْأَرْبَعَةُ هِيَ الَّتِي يَتَوَلَّدُ عَنْهَا أَحْوَالٌ تُوجِبُ زَوَالَ السَّعَادَةِ الرُّوحَانِيَّةِ وَالشَّيَاطِينُ الْخَارِجَةُ مَا لَمْ تَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى الْأَرْبَعِ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى إِلْقَاءِ الْوَسْوَسَةِ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَهُوَ وَجْهُ تَحْقِيقٍ انْتَهَى، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ مَنَاحِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْمُتَشَرِّعِينَ قَالَ: وَعَلَى هَذَا لَمْ يُحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ لَيْسَتَا بِمَقَرِّ شَيْءٍ مِنَ الْقُوَى الْمُفْسِدَةِ لِمَصَالِحِ السَّعَادَةِ الرُّوحَانِيَّةِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَقُلْ مِنْ فَوْقِهِمْ لِأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ تَحْتِهِمْ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ مِنْ تَحْتِهِمْ فِيهِ تَوَحُّشٌ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ قِيلَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ بحرف الابتداء وعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ بِحِرَفِ الْمُجَاوَزَةِ، (قَلْتُ) : الْمَفْعُولُ فِيهِ عُدِّيَ إِلَيْهِ الْفِعْلُ تَعْدِيَتَهُ إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ كَمَا اخْتَلَفَتْ حُرُوفُ التَّعْدِيَةِ فِي ذَلِكَ اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا وَكَانَتْ لُغَةً تُؤْخَذُ وَلَا تُقَاسُ وَإِنَّمَا يُفَتَّشُ عَنْ صِحَّةِ مَوْقِعِهَا فَقَطْ فَلَمَّا سَمِعْنَاهُمْ يَقُولُونَ: جَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَلَى يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَعَلَى شِمَالِهِ قُلْنَا مَعْنَى عَلَى يَمِينِهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ تُمَكِّنُ الْمُسْتَعْلِي مِنَ الْمُسْتَعْلَى عَلَيْهِ وَمَعْنَى عَنْ يَمِينِهِ أَنَّهُ جَلَسَ مُتَجَافِيًا عَنْ صَاحِبِ الْيَمِينِ مُنْحَرِفًا عَنْهُ غَيْرَ مُلَاصِقٍ لَهُ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اسْتُعْمِلَ فِي الْمُتَجَافِي وَغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي فِعَالٍ وَنَحْوِهُ مِنَ الْمَفْعُولِ بِهِ قَوْلَهُمْ رَمَيْتُ عَنِ الْقَوْسِ وَعَلَى الْقَوْسِ وَمِنَ الْقَوْسِ لِأَنَّ السَّهْمَ يَبْعُدُ عَنْهَا وَيَسْتَعْلِيهَا إِذَا وُضِعَ عَلَى كَبِدِهَا للرمي ويبتدىء الرَّمْيُ مِنْهَا فَكَذَلِكَ قَالُوا: جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ بِمَعْنَى فِي لِأَنَّهُمَا ظَرْفَانِ لِلْفِعْلِ وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَقَعُ فِي بَعْضِ الْجِهَتَيْنِ كَمَا تَقُولُ جِئْتُهُ مِنَ اللَّيْلِ تُرِيدُ بَعْضَ اللَّيْلِ انْتَهَى، وَهُوَ كَلَامٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَقُولُ إِنَّمَا خَصَّ بَيْنَ الْأَيْدِي وَالْخَلْفِ بِحَرْفِ الِابْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ أَمْكَنُ فِي الْإِتْيَانِ لِأَنَّهُمَا أَغْلَبُ مَا يَجِيءُ الْعَدُوُّ منهما فَيَنَالُ فُرْصَتَهُ وَقَدَّمَ بَيْنَ الْأَيْدِي عَلَى الْخَلْفِ لِأَنَّهَا الْجِهَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى إِقَدَامِ الْعَدُوِّ وَبَسَالَتِهِ فِي مُوَاجَهَةِ قِرْنِهِ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015