مُلَاصِقٌ لَهَا، وَالطِّينُ مُظْلِمٌ كَثِيفٌ ثَقِيلٌ بَارِدٌ يَابِسٌ بعيد عن مجاورة السموات، وَالنَّارُ قَوِيَّةُ التَّأْثِيرِ وَالْفِعْلِ وَالطِّينُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْقَبُولُ وَالِانْفِعَالُ، وَالْفِعْلُ أَشْرَفُ مِنَ الِانْفِعَالِ وَالنَّارُ مُنَاسِبَةٌ لِلْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَهِيَ مَادَّةُ الْحَيَاةِ وَالطِّينُ بِبَرْدِهِ وَيُبْسِهِ مُنَاسِبٌ لِلْمَوْتِ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْمَخْلُوقُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَفْضَلُ فَلَا يُؤْمَرُ الْأَفْضَلُ بِخِدْمَةِ الْمَفْضُولِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُمِرَ مَثَلًا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِخِدْمَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُمَا فِي الْعِلْمِ لَكَانَ ذَلِكَ قَبِيحًا فِي الْعَقْلِ ثُمَّ قَالُوا أَخْطَأَ إِبْلِيسُ مِنْ حَيْثُ فَضَّلَ النَّارَ عَلَى الطِّينِ وَهُمَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ حَيْثُ هُمَا جَمَادٌ مَخْلُوقٌ وَالطِّينُ أَفْضَلُ مِنَ النار وُجُوهٍ، أَحَدِهَا أَنَّ مِنْ جَوْهَرِ الطِّينِ الرَّزَانَةَ وَالسُّكُونَ وَالْوَقَارَ وَالْأَنَاةَ وَالْحِلْمَ وَالْحَيَاءَ وَالصَّبْرَ وَذَلِكَ هُوَ الدَّاعِي لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ السَّعَادَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ فِي التَّوْبَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّضَرُّعِ فَأَوْرَثَهُ الْمَغْفِرَةَ وَالِاجْتِبَاءَ وَالْهِدَايَةَ وَمِنْ جَوْهَرِ النَّارِ الْخِفَّةُ وَالطَّيْشُ وَالْحِدَّةُ وَالِارْتِفَاعُ وَالِاضْطِرَابُ وَذَلِكَ هُوَ الدَّاعِي لِإِبْلِيسَ بَعْدَ الشَّقَاوَةِ الَّتِي سَبَقَتْ إِلَى الِاسْتِكْبَارِ وَالْإِصْرَارِ فَأَوْرَثَهُ الْهَلَاكَ وَاللَّعْنَةَ وَالْعَذَابَ قَالَهُ الْقَفَّالُ، ثُمَّ ذَكَرُوا وُجُوهًا عَشْرَةً يَظْهَرُ بِهَا فَضْلُ التُّرَابِ عَلَى النَّارِ ثُمَّ قَالُوا: لَا يَدُلُّ مَنْ كَانَتْ مَادَّتُهُ أَفْضَلَ عَلَى أَنَّهُ تَكُونُ صُورَتُهُ أَفْضَلَ إذا الْفَضِيلَةُ عَطِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا تَرَاهُ تَعَالَى يُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ وَأَنَّ الْحَبَشِيَّ الْمُؤْمِنَ خَيْرٌ مِنَ الْقُرَشِيِّ الْكَافِرِ وَإِذَا كَانَتِ الْمُقَدِّمَةُ غَيْرَ مُسَلَّمَةٍ لَمْ يَنْتِجْ وَالْمُقَدِّمَتَانِ أَنْ تَقُولَ إِبْلِيسُ نَارِيُّ الْمَادَّةِ وَكُلُّ نَارِيِّ الْمَادَّةِ أَفْضَلُ مِنْ تُرَابِيِّ الْمَادَّةِ فَإِبْلِيسُ أَفْضَلُ مِنْ تُرَابِيِّ الْمَادَّةِ وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ مَمْنُوعَةٌ فَلَا تَنْتِجْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْطَأَ فَمَنْ قَاسَ الدِّينَ بِرَأْيِهِ قَرَنَهُ اللَّهُ مَعَ إِبْلِيسَ، وَقَالَا: وَمَا عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إِلَّا بِالْمَقَايِيسِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَخْطَأَ قِيَاسُهُ وَذَهَبَ عِلْمُهُ أَنَّ الرُّوحَ الَّذِي نُفِخَ فِي آدَمَ لَيْسَ مِنْ طِينٍ وَاسْتَدَلَّ نُفَاةُ الْقِيَاسِ عَلَى إِبْطَالِهِ بِقِصَّةِ إِبْلِيسَ وَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْقِيَاسِ حَيْثُ لَا نَصَّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ إِذْ أَمَرْتُكَ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَيَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ لِذَمِّ إِبْلِيسَ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ فِي الْحَالِ وَلَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَسْتَوْجِبِ الذَّمَّ فِي الْحَالِ وَلَا مُطْلَقًا.
قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ. لَمَّا كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنَ السجود لسبب ظهور شفوقه عَلَى آدَمَ عِنْدَ نَفْسِهِ قَابَلَهُ اللَّهُ بِالْهُبُوطِ الْمُشْعِرِ بِالنُّزُولِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْها لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مُفَسِّرٌ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْجَنَّةِ وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْ سُكَّانِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لَا فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ وَخُلِقَ آدَمُ