وَأَشَقُّ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَجِيءُ فِيهِ عَلَى غَفْلَةٍ مِنَ الْمُهْلَكِينَ، فَهُوَ كَالْمَجِيءِ بَغْتَةً وَقَوْلُهُ أَوْ هُمْ قائِلُونَ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَنَصَّ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ إِذْ دَخَلَ عَلَى جُمْلَةِ الْحَالِ وَاوُ الْعَطْفِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ وَاوِ الْحَالِ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ جَاءَ زيد ماشيا أو وَهُوَ رَاكِبٌ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : لَا يُقَالُ جَاءَ زَيْدٌ هُوَ فَارِسٌ بِغَيْرِ وَاوٍ فَمَا بَالُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
أَوْ هُمْ قائِلُونَ (قُلْتُ) : قَدَّرَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ الْوَاوَ مَحْذُوفَةً وَرَدَّهُ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ: لَوْ قُلْتَ جَاءَنِي زَيْدٌ رَاجِلًا أَوْ هُوَ فَارِسٌ أَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ هُوَ فَارِسٌ لَمْ يُحْتَجْ فِيهِ إِلَى وَاوٍ لِأَنَّ الذِّكْرَ قَدْ عَادَ إِلَى الْأَوَّلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إِذَا عُطِفَتْ عَلَى حَالٍ قَبْلَهَا حُذِفَتِ الْوَاوُ اسْتِثْقَالًا لِاجْتِمَاعِ حَرْفَيْ عَطْفٍ لِأَنَّ وَاوَ الْحَالِ هِيَ وَاوُ الْعَطْفِ اسْتُعِيرَتْ لِلْوَصْلِ فَقَوْلُكَ جَاءَ زَيْدٌ رَاجِلًا أَوْ هُوَ فَارِسٌ كَلَامٌ فَصِيحٌ وَارِدٌ عَلَى حَدِّهِ وَأَمَّا جَاءَنِي زَيْدٌ هُوَ فَارِسٌ فَخَبِيثٌ انْتَهَى.
فَأَمَّا بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ الَّذِي اتَّهَمَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَهُوَ الْفَرَّاءُ، وَأَمَّا قَوْلُ الزَّجَّاجِ فِي التَّمْثِيلَيْنِ لَمْ يُحْتَجْ فِيهِ إِلَى الْوَاوِ لِأَنَّ الذِّكْرَ قَدْ عَادَ إِلَى الْأَوَّلِ فَفِيهِ إِبْهَامٌ وَتَعْيِينُهُ لَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي فَانْتِفَاءُ الِاحْتِيَاجِ لَيْسَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لِامْتِنَاعِ الدُّخُولِ وَفِي الثَّانِي لِكَثْرَةِ الدُّخُولِ لَا لِامْتِنَاعِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ وَالصَّحِيحُ إِلَى آخِرِهَا فَتَعْلِيلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ وَاوَ الْحَالِ لَيْسَتْ حَرْفَ عَطْفٍ فَيَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِهَا اجْتِمَاعُ حَرْفَيْ عَطْفٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْعَطْفِ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَ الْوَاوِ حَالًا حَتَّى يَعْطِفَ حَالًا عَلَى حَالٍ فَمَجِيئُهَا فِي مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَالًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ وَاوَ عَطْفٍ وَلَا لُحِظَ فِيهَا مَعْنَى وَاوِ عَطْفٍ تَقُولُ جَاءَ زَيْدٌ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فَجَاءَ زَيْدٌ لَيْسَ بِحَالٍ فَيُعْطَفُ عَلَيْهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْوَاوُ مُغَايِرَةٌ لِوَاوِ الْعَطْفِ بِكُلِّ حَالٍ وَهِيَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْوَاوِ كَمَا تَأْتِي لِلْقَسَمِ وَلَيْسَتْ فِيهِ لِلْعَطْفِ إِذَا قَلْتَ وَاللَّهِ لَيَخْرُجَنَّ وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَخَبِيثٌ فَلَيْسَ بِخَبِيثٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ إِذَا كَانَ فِيهَا ضَمِيرُ ذِي الْحَالِ فَإِنَّ حَذْفَ الْوَاوِ مِنْهَا شَاذٌّ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْفَرَّاءَ وَلَيْسَ بِشَاذٍّ بَلْ هُوَ كَثِيرٌ وُقُوعُهُ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ نَثْرِهَا وَنَظْمِهَا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ رَمْلِ بِيرِينَ وَمَهَا فِلَسْطِينَ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثْرَةَ مَجِيءِ ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ وَقَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْمَذْهَبِ الزَّمَخْشَرِيُّ إِلَى مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ.
فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
دَعْوَاهُمْ تَضَرُّعُهُمْ إِلَّا إِقْرَارَهُمْ بِالشِّرْكِ. وَقِيلَ دَعْوَاهُمْ دُعَاؤُهُمْ. قَالَ الْخَلِيلُ: يَقُولُ اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا فِي صَالِحِ دَعْوَى الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهُ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ. وَقِيلَ: ادِّعَاؤُهُمْ أَيِ ادَّعُوا مَعَاذِيرَ تُحَسِّنُ حَالَهُمْ وَتُقِيمُ حُجَّتَهُمْ فِي زَعْمِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَتَحْتَمِلُ الْآيَةُ أَنْ يَكُونَ