إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: هَذَا مَقَامُ خُضُوعٍ وَتَوَاضُعٍ، فَقُدِّمَ نَاسِخُ نَفْيِ الْقَوْلِ عَنْهُ، وَلَمْ يَقُلْ مَا قُلْتُهُ بَلْ فَوَّضَ ذَلِكَ إِلَى عِلْمِهِ الْمُحِيطِ بِالْكُلِّ وَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ فِي الْأَدَبِ وَفِي إِظْهَارِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ فِي حَضْرَةِ الْجَلَالِ، وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، انْتَهَى، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ.

تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ خَصَّ النَّفْسَ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْكَتْمِ وَالِانْطِوَاءِ عَلَى الْمَعْلُومَاتِ. قِيلَ: الْمَعْنَى: تَعْلَمُ مَا أُخْفِي وَلَا أَعْلَمُ مَا تُخْفِي. وَقِيلَ: تَعْلَمُ مَا عِنْدِي وَلَا أَعْلَمُ مَا عندك. وقيل: تعلم ما كان في الدنيا ولا أعلم ما تقول وتفعل. وقيل: تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد. وَقِيلَ: تَعْلَمُ سِرِّيَ وَلَا أَعْلَمُ سِرَّكَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَعْلَمُ مَعْلُومِي وَلَا أَعْلَمُ مَعْلُومَكَ وَأَتَى بِقَوْلِهِ: مَا فِي نَفْسِكَ عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّشَاكُلِ لِقَوْلِهِ مَا فِي نَفْسِي فَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ (?) وقوله: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (?) وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّفْسَ تُطْلَقُ عَلَى ذَاتِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ، كَانَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ تَعْلَمُ كُنْهَ ذَاتِي وَلَا أَعْلَمُ كُنْهَ ذَاتِكَ، وَقَدِ اسْتَدَلَّتِ الْمُجَسِّمَةُ بِقَوْلِهِ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ قَالُوا: النَّفْسُ هِيَ الشَّخْصُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ جِسْمًا. تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ هَذَا تَقْرِيرٌ لِلْجُمْلَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ جُمْلَةِ الْغُيُوبِ وَلِأَنَّ مَا يَعْلَمُهُ عَلَّامُ الْغُيُوبِ لَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَإِذَا كُنْتَ أَنْتَ الْمُخْتَصَّ بِعِلْمِ الْغَيْبِ فَلَا عِلْمَ لِي بِالْغَيْبِ فَكَيْفَ تَكُونُ لِي الْأُلُوهِيَّةُ

وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقَّاهُ اللَّهُ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ (?) الْآيَةَ كُلَّهَا.

قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ أَمْرَ اللَّهِ فِي أَنْ أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ وَأَقَرَّ بِرُبُوبِيَّتِهِ. وَفِي قَوْلِهِ: رَبِّي وَرَبَّكُمْ بَرَاءَةٌ مِمَّا ادَّعَوْهُ فِيهِ، وَفِي الْإِنْجِيلِ قَالَ: يَا مَعَاشِرَ بَنِي الْمَعْمُودِيَّةِ قُومُوا بِنَا إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ وَمُخَلِّصِي وَمُخَلِّصِكُمْ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: كَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ مَا أَمَرْتُهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ وَضَعَ الْقَوْلَ مَوْضِعَ الْأَمْرِ نُزُولًا عَلَى مُوجِبِ الْأَدَبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا عَدَلَ لِئَلَّا يَجْعَلَ نَفْسَهُ وَرَبَّهُ آمِرِينَ مَعًا وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَا ذَكَرَ أَنْ الْمُفَسِّرَةُ انْتَهَى. قَالَ الحوفي وابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015