التَّحْرِيرُ: الْإِعْتَاقُ، وَالْعَتِيقُ: الْكَرِيمُ، لِأَنَّ الْكَرَمَ فِي الْأَحْرَارِ كَمَا أَنَّ اللُّؤْمَ فِي الْعَبِيدِ. وَمِنْهُ عِتَاقُ الطَّيْرِ، وَعِتَاقُ الْخَيْلِ لِكِرَامِهَا. وَحُرُّ الْوَجْهِ أَكْرَمُ مَوْضِعٍ مِنْهُ، وَالرَّقَبَةُ عُبِّرَ بِهَا عَنِ النَّسَمَةِ، كَمَا عُبِّرَ عَنْهَا بِالرَّأْسِ فِي قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يَمْلِكُ كَذَا رَأْسًا مِنَ الرَّقِيقِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ رَقَبَةٍ اتَّصَفَتْ بِأَنْ يُحْكَمَ لَهَا بِالْإِيمَانِ مُنْتَظِمٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، انْتِظَامَ عُمُومِ الْبَدَلِ.
فَيَنْدَرِجُ فِيهَا مَنْ وُلِدَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ، وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَمَنْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْبُلُوغِ.
وقال ابراهيم: لا يجزي إِلَّا الْبَالِغُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا الَّتِي صَامَتْ وَعَقَلَتِ الْأَيْمَانَ، لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زياد، وزفر: يجزى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الصَّبِيُّ إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُجْزِئُ الصَّغِيرُ الْمَوْلُودُ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى وَصَامَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا، يَنْتَظِمُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ النَّاقِصَ النُّقْصَانَ الْكَبِيرَ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأَعْمَى، لَا يُجْزِئُ فِيمَا حَفِظْتُ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا يُمْكِنُ مَعَهُ الْمَعِيشَةُ وَالتَّحَرُّفُ كَالْعَرَجِ وَنَحْوِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ أَعْمَى، وَلَا مُقْعَدٌ، وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَا أَشَلُّهُمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَعْرَجِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يُجْزِئُ مَقْطُوعُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ أَوِ الرِّجْلَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ: لَا يُجْزِئُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمُ الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ، وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ الذي يجن ويفين، وَلَا الْمُعْتَقُ إِلَى سِنِينَ، وَيُجْزِئَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَلَا يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَيُجْزِئُ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ.
فَقِيلَ: تمحيصا وطهر الذنب الْقَاتِلِ، حَيْثُ تَرَكَ الِاحْتِيَاطَ وَالتَّحَفُّظَ حَتَّى هَلَكَ عَلَى يَدَيْهِ امْرُؤٌ مَحْقُونُ الدَّمِ. وَقِيلَ: لَمَّا أَخْرَجَ نَفْسًا مُؤْمِنَةً عَنْ جُمْلَةِ الْأَحْيَاءِ، لَزِمَهُ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسًا مِثْلَهَا فِي جُمْلَةِ الْأَحْرَارِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَهَا مِنْ قَيْدِ الرِّقِّ حَيَاتُهَا، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرَّقِيقَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَحْرَارِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ وُجُوبَ التَّحْرِيرِ وَالدِّيَةِ عَلَى القاتل، لأنه مستقرا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا يَلْزَمُ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ الْغَرَامَاتِ مِثْلَ الْكَفَّارَاتِ، إِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى فَاعِلِهِ. فَأَمَّا