بِهَا، دُونَ التَّقْيِيدِيَّةِ هَذَا مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ مَا يترتب عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَطْفَيْنِ مِنَ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ يَكُونُ تَرْكُهُمُ الْقِتَالَ سَبَبًا لِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ، وَهُوَ سَبَبٌ قَرِيبٌ، وَذَلِكَ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الصِّلَةِ، وَوُصُولُهُمْ إِلَى مَنْ يَتْرُكُ الْقِتَالَ سَبَبٌ لِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ، وَهُوَ سَبَبٌ بَعِيدٌ، وَذَلِكَ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الصِّفَةِ. وَمُرَاعَاةُ السَّبَبِ الْقَرِيبِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْبَعِيدِ. وَعَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ مِنْ مَفْعُولِ: فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ قَتْلَ الْكَافِرِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُعَاهَدًا أَوْ دَاخِلًا فِي حُكْمِ الْمُعَاهَدِ، أَوْ تَارِكًا لِلْقِتَالِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ. وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: إِنَّ الْمُسْتَثْنَيْنَ كُفَّارٌ.

وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ الْهِجْرَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ، اسْتَثْنَى مَنْ لَهُ عُذْرٌ فَقَالَ: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ (?) وَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَصَدُوا الرَّسُولَ بِالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَانَ فِي طَرِيقِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ مَا لَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا إِلَيْهِ خَوْفًا مِنْ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ، فَصَارُوا إِلَى قَوْمٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ، وَأَقَامُوا عِنْدَهُمْ إِلَى أَنْ يُمْكِنَهُمُ الْخَلَاصُ، وَاسْتَثْنَى بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ صَارَ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُ يَخَافُ اللَّهَ فِيهِ، وَلَا يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ أَقَارِبُهُ، أَوْ لِأَنَّهُ بَقِيَ أَزْوَاجُهُ وَأَوْلَادُهُ بَيْنَهُمْ فَيَخَافُ لَوْ قَاتَلَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْلَادَهُ وَأَصْحَابَهُ.

فَهَذَانِ الْفَرِيقَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُمُ الْهِجْرَةُ، وَلَا مُقَاتَلَةُ الْكُفَّارِ انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الرَّاغِبُ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي مُسْلِمٍ: يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَدْخُلُوا تَحْتَ قَوْلِهِ: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ (?) .

وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ أَيْ: إِنْ لَحِقَ الْمُنَافِقُونَ بِمَنْ لَا مِيثَاقَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا وَيُهَاجِرُوا، وَإِنْ لَحِقُوا بِأَهْلِ الْمِيثَاقِ فَلَا تقاتلوهم، أو جاؤوكم حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ هَذَا صِفَةٌ لِمَنْ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَنِ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ، إِذَا كَانَ وَصْفُهُمْ أَنْ تَضِيقَ صُدُورُهُمْ عَنْ مُقَاتَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ جَمِيعًا، إِمَّا لِنِفَارِ طِبَاعِهِمْ، وَإِمَّا لِوَفَاءِ الْعَهْدِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِمْ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ لِيَتَبَيَّنُوا الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَعَلَى هَذَا وَصَفَ اللَّهُ جَمِيعَ الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ عَزَمُوا عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ: أَنَّهُمْ إِنَّمَا قَبِلُوا الْعَهْدَ وَالذِّمَّةَ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ وَأَبَتْ نُفُوسُهُمْ مُعَاوَنَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَلَمْ يُسْلِمُوا حَقِيقَةً، وَلَكِنْ سَالَمُوا لِقَبُولِ الْعَهْدِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَفَّالُ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ دَخَلَ فِي عَهْدِ مَنْ كَانَ دَاخِلًا فِي عَهْدِكُمْ، فَهُوَ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي الْعَهْدِ، قَالَ: وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْآيَةِ أَنْ يقصد قوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015