وَأُولِي الْأَمْرِ، فَإِنَّهُمْ يُخْبِرُونَ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَيَعْلَمُهُ مَنْ يَسْأَلُهُمْ، وَيَسْتَخْرِجُ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِمْ، لِأَنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولَ وَأُولُوا الْأَمْرِ إِذْ هُمْ مُخْبِرُونَ عَنْهُ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِرَدِّ الْحَوَادِثِ إِلَى الرَّسُولِ فِي حَيَاتِهِ إِذْ كَانُوا بِحَضْرَتِهِ، وَإِلَى الْعُلَمَاءِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَالْغَيْبَةِ عَنْ حَضْرَتِهِ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِنْبَاطِهِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا هُوَ مُودَعٌ فِي النَّصِّ قَدْ كُلِّفَ الْوُصُولُ إِلَى عِلْمِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ. وَطَوَّلَ الرَّازِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اعْتِرَاضًا وَانْفِصَالًا وَاسْتَقْرَأَ مِنَ الْآيَةِ أَحْكَامًا.

قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَائِلِ بِالْإِمَامَةِ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ يَعْرِفُهُ الْإِمَامُ لَزَالَ مَوْضِعُ الِاسْتِنْبَاطِ، وَسَقَطَ الرَّدُّ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ الرَّدَّ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي يَعْرِفُ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ بَاطِلِهِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ. وَقَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ النَّقِيبِ وَهُوَ جَامِعُ كِتَابِ التَّحْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ لِأَقْوَالِ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ مَا نَصُّهُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ: وَقَدْ لَاحَ لِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَتَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُتَعَلِّقٌ بِالَّذِي قَبْلَهُ مَرْدُودٌ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ تَدَبَّرُوهُ لَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، وَالْمُشْكِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ مُتَشَابِهِهِ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ يَعْنِي: لَعَلِمَ مَعْنَى ذَلِكَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ إِلَّا قَلِيلًا، وَهُوَ مَا ستأثر اللَّهُ بِهِ مِنْ عَلِمِ كِتَابِهِ وَمَكْنُونِ خِطَابِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، وَالَّذِي حَسَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَزَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (?) الْآيَةَ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِقُوتِ الْقُلُوبِ، وَقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا قَلِيلًا (?) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (?) وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِنْبَاطُ اسْتِخْرَاجًا مِنْ مَعْنَى اللَّفْظِ الْمُتَشَابِهِ بِنَوْعٍ مِنَ النَّظْرَةِ وَالِاجْتِهَادِ وَالتَّفَكُّرِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ كَمَا تَرَى تَرْكِيبٌ وَنَظْمٌ غَيْرُ تَرْكِيبِ الْقُرْآنِ وَنَظْمِهِ، وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُ هَذَا الرَّجُلُ فِي الْقُرْآنِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ مِنْ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْبَيَانِ، وَأَصْحَابُنَا وَحُذَّاقُ النَّحْوِيِّينَ يَجْعَلُونَهُ مِنْ بَابِ ضَرَائِرِ الْأَشْعَارِ، وَشَتَّانَ مَا بين القولين. وقرأ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015