لَيْتَ شِعْرِي وَأَشْعَرْنَ إِذَا مَا ... قَرَّبُوهَا مَنْشُورَةً وَدُعِيتُ
أتى الفصل ثم عَلَيَّ إِذَا حُو ... سِبْتُ إني على الحساب مقيت
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمُقِيتُ الْحَاضِرُ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْمُقِيتُ الْمُقْتَدِرُ، وَالْمُقِيتُ:
الْحَافِظُ وَالشَّاهِدُ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقُوتِ، وَالْقُوتُ مِقْدَارُ مَا يُحْفَظُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنَ التَّلَفِ. التَّحِيَّةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ: هِيَ الْمُلْكُ وَأَنْشَدَ:
أوّم بِهَا أَبَا قَابُوسَ حَتَّى ... أُنِيخَ عَلَى تَحِيَّتِهِ بِجُنْدِي
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: التَّحِيَّةُ بِمَعْنَى الْمُلْكِ، وَبِمَعْنَى الْبَقَاءِ، ثُمَّ صَارَتْ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ.
انْتَهَى. وَوَزْنُهَا تَفْعِلَةٌ، وَلَيْسَ الْإِدْغَامُ فِي هَذَا الْوَزْنِ وَاجِبًا عَلَى مَذْهَبِ الْمَازِنِيِّ، بَلْ يَجُوزُ الْإِظْهَارُ كَمَا قَالُوا: أَعْيِيَةٌ بِالْإِظْهَارِ، وَأَعِيَّةٌ بِالْإِدْغَامِ فِي جَمْعِ عَيِيٍّ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْإِدْغَامُ فِي تَحِيَّةٍ، وَالْكَلَامُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ.
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ» فَاعْتَرَضَتِ الْيَهُودُ فَقَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ يَأْمُرُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مُدَّعٍ لِلرُّبُوبِيَّةِ فَنَزَلَتْ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ الْمُنَافِقُونَ لَقَدْ قَارَبَ الشِّرْكَ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالُوا مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ إِلَّا أَنْ يُتَّخَذَ رَبًّا كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى عِيسَى.
وَتَعَلُّقُ الطَّاعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، ولا ينهى إلا عَنْ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، فَكَانَتْ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ طَاعَةَ اللَّهِ. وَمَنْ تَوَلَّى بِنِفَاقٍ أَوْ أَمْرٍ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ هَذَا الْتِفَاتٌ، إِذْ لَوْ جَرَى عَلَى الرَّسُولِ لَكَانَ فَمَا أَرْسَلَهُ. وَالْحَافِظُ هُنَا الْمُحَاسِبُ عَلَى الْأَعْمَالِ، أَوِ الْحَافِظُ لِلْأَعْمَالِ، أَوِ الْحَافِظُ مِنَ الْمَعَاصِي، أَوِ الْحَافِظُ عَنِ التَّوَلِّي، أَوِ الْمُسَلَّطُ مِنَ الْحُفَّاظِ أَقْوَالٌ. وَتَتَضَمَّنُ هَذِهِ الْآيَةُ الْإِعْرَاضَ عمن تولى، والترك رفقا مِنَ اللَّهِ، وَهِيَ قَبْلَ نُزُولِ الْقِتَالِ.
وَيَقُولُونَ طاعَةٌ نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ بِاتِّفَاقٍ. أَيْ: إِذَا أَمَرْتَهُمْ بِشَيْءٍ قَالُوا طَاعَةٌ، أَيْ:
أَمْرُنَا طَاعَةٌ، أَوْ مِنَّا طَاعَةٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ النَّصْبُ بِمَعْنَى أَطَعْنَاكَ طَاعَةً، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُرْتَسِمِ سَمْعًا وَطَاعَةً، وَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وَسَمِعْنَا بَعْضَ الْعَرَبِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَيَقُولُ: حَمْدًا لِلَّهِ وَثَنَاءً عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَمْرِي وَشَأْنِي حَمْدُ اللَّهِ. وَلَوْ نَصَبَ حَمْدَ اللَّهِ وَثَنَاءً عَلَيْهِ كَانَ عَلَى الْفِعْلِ، وَالرَّفْعُ يَدُلُّ عَلَى ثَبَاتِ الطَّاعَةِ وَاسْتِقْرَارِهَا انْتَهَى. وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ مَا لَمْ يُقْرَأْ بِهِ وَلَا لِتَوْجِيهِهِ وَلَا لِتَنْظِيرِهِ بِغَيْرِهِ، خُصُوصًا فِي كِتَابِهِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَى الِاخْتِصَارِ لَا عَلَى التَّطْوِيلِ.