ذَلِكَ مَا الْتَزَمَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، بَلْ يَكُونُ خَشْيَةً مَعْطُوفًا عَلَى مَحَلِّ الْكَافِ، وَأَشَدَّ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ كَانَ نَعْتٌ نَكِرَةٌ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا فَانْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ: يَخْشَوْنَ النَّاسَ مِثْلَ خَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ خَشْيَةً أَشَدَّ مِنْهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا التَّخْرِيجَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (?) وَأَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ. وَخَشْيَةُ اللَّهِ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيْ: كَخَشْيَتِهِمُ اللَّهَ. وَأَوْ عَلَى بَابِهَا مِنَ الشَّكِّ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ، وَقِيلَ: لِلْإِبْهَامِ عَلَى الْمُخَاطَبِ. وَقِيلَ: لِلتَّخْيِيرِ.
وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْوَاوِ. وَقِيلَ: بِمَعْنَى بَلْ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (?) وَلَوْ قِيلَ إِنَّهَا لِلتَّنْوِيهِ، لَكَانَ قَوْلًا يَعْنِي: أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَخْشَى النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْشَاهُمْ خَشْيَةً تَزِيدُ عَلَى خَشْيَتِهِمُ اللَّهَ.
وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَائِلِينَ هَذَا: هُمْ مُنَافِقُونَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ لَا يَسْأَلُ عَنْ عِلَّتِهِ مَنْ هُوَ خَالِصُ الْإِيمَانِ، وَلِهَذَا جَاءَ السِّيَاقُ بَعْدَهُ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ (?) وَهَذَا لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ مُنَافِقٍ. ولولا لِلتَّحْضِيضِ بِمَعْنَى هَلَّا وَهِيَ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ. وَالْأَجَلُ الْقَرِيبُ هُنَا هُوَ مَوْتُهُمْ عَلَى فُرُشِهِمْ كَذَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ. وَذُكِرَ فِي حِرَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَنَمُوتَ حَتْفَ أَنْفِنَا وَلَا نُقْتَلَ، فَتُسَرُّ بِذَلِكَ الْأَعْدَاءُ.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونُونَ قَدْ طَلَبُوا التَّأْخِيرَ فِي كُتُبِ الْقِتَالِ إِلَى وَقْتِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَكَثْرَتِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. لِأَنَّ لَفْظَ لَمْ رُدَّ فِي صَدْرِ أَمْرِ اللَّهِ، وَعَدَمِ اسْتِسْلَامِهِمْ لَهُ مَعَ قَوْلِهِمْ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ اسْتِزَادَةٌ فِي مُدَّةِ الْكَفِّ، وَاسْتِمْهَالٌ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ (?) . وَقَالَ الرَّاغِبُ: وَقَالُوا ربنا لم كتبت علينا الْقِتَالَ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفَوَّهُوا بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدُوهُ وَقَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَحَكَى تَعَالَى ذَلِكَ عَنْهُمْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَصْعَبُوا ذَلِكَ دَلَّ اسْتِصْعَابُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ وَاثِقِينَ بِأَحْوَالِهِمْ.
قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى كَوْنِ مَتَاعِ الدُّنْيَا قَلِيلًا فِي قَوْلِهِ: مَتاعٌ قَلِيلٌ (?) وَإِنَّمَا قَلَّ: لِأَنَّهُ فَانٍ، وَنَعِيمُ الْآخِرَةِ مُؤَبَّدٌ، فهو خير لمن