لَا أَضْرِبُ زَيْدًا وَعَمْرًا، احْتَمَلَ أَنْ لَا تَجْمَعُ بَيْنَ ضَرْبَيْهِمَا. وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ: بَلْ أَحَدَهُمَا. وَاحْتَمَلَ نَفْيَ الضَّرْبِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، وَعَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ. فَإِذَا قُلْتَ: لَا أَضْرِبُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا، تَعَيَّنَ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي الَّذِي كَانَ دُونَ تَكْرَارِ.
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَنِ اتَّصَفَ بِالْبُخْلِ وَالْأَمْرِ بِهِ، وَكِتْمَانِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِنْفَاقِ رِئَاءً، وَانْتِفَاءَ إِيمَانِهِ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ مِنْ نَتَائِجِ مُقَارَنَةِ الشَّيْطَانِ وَمُخَالَطَتِهِ وَمُلَازَمَتِهِ لِلْمُتَّصِفِ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا شَرٌّ مَحْضٌ، إِذْ جَمَعَتْ بَيْنَ سُوءِ الِاعْتِقَادِ الصَّادِرِ عَنْهُ الْإِنْفَاقُ رِئَاءً، وَسَائِرِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ الْمَذْمُومَةِ. وَلِذَلِكَ قَدَّمَ تِلْكَ الْأَوْصَافَ وَذَكَرَ مَا صَدَرَتْ عَنْهُ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْإِيمَانِ بِالْمُوجِدِ، وَبِدَارِ الْجَزَاءِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقَارَنَةِ الشَّيْطَانِ.
وَالْقَرِينُ هُنَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ، كَالْجَلِيسِ وَالْخَلِيطِ أَيِ: الْمُجَالِسُ وَالْمُخَالِطُ.
وَالشَّيْطَانُ هُنَا جِنْسٌ لَا يُرَادُ بِهِ إِبْلِيسُ وَحْدَهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (?) وَلَهُ متعلق بقرينا أَيْ: قَرِينًا لَهُ. وَالْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَسَاءَ هُنَا هِيَ الَّتِي بِمَعْنَى بِئْسَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الذَّمِّ، وَفَاعِلُهَا عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ ضَمِيرٌ عَامٌّ، وَقَرِينًا تَمْيِيزٌ لِذَلِكَ الضَّمِيرِ. وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْعَائِدُ عَلَى الشَّيْطَانِ الَّذِي هُوَ قَرِينٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَاءَ هُنَا هِيَ الْمُتَعَدِّيَةُ وَمَفْعُولُهَا مَحْذُوفٌ وَقَرِينًا حَالَ، لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ تَكُونُ فِعْلًا مُتَصَرِّفًا فَلَا تَدْخُلُهُ الْفَاءُ، أَوْ تَدْخُلُهُ مَصْحُوبَةً بِقَدْ. وَقَدْ جَوَّزُوا انْتِصَابَ قَرِينًا عَلَى الْحَالِ، أَوْ عَلَى الْقَطْعِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَبُولِغَ فِي ذَمِّ هَذَا الْقَرِينِ لِحَمْلِهِ عَلَى تِلْكَ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَعِيدًا لَهُمْ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُقْرَنُ بِهِمْ فِي النَّارِ انْتَهَى. فَتَكُونُ الْمُقَارَنَةُ إِذْ ذَاكَ فِي الْآخِرَةِ يُقْرَنُ بِهِ فِي النَّارِ فَيَتَلَاعَنَانِ وَيَتَبَاغَضَانِ كَمَا قَالَ: مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (?) وإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ (?) . وَقَالَ الْجُمْهُورُ:
هَذِهِ المقاربة هِيَ فِي الدُّنْيَا كَقَوْلِهِ: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ (?) ونُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (?) وقالَ قَرِينُهُ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ (?) قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَرَنَ الطَّبَرِيُّ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (?) وَذَلِكَ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ بَدَلًا حَالٌ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. والذي قاله