الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وشريح، والشعبي، ومالك، وَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ تَزَوُّجَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، والشافعي، وداود: لَا يَجُوزٌ، أَجَازَهُ الْمَوْلَى أَوْ لَمْ يُجِزْهُ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَعُدُّهُ زَانِيًا وَيَحُدُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ: أَبِي ثَوْرٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِزِنًا، وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْمُلَّاكَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، فَيُشْتَرَطُ إِذْنُ الْمَرْأَةِ فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِذْنِ هُوَ الْعَقْدَ فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُزَوِّجَ أَمَتَهَا وَتُبَاشِرَ الْعَقْدَ، كَمَا يَجُوزُ لِلذَّكَرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، بَلْ تُوَكِّلُ غَيْرَهَا فِي التَّزْوِيجِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ، اشْتَرَطَ الْإِذْنَ لِلْمَوَالِي فِي نِكَاحِهِنَّ، وَيَحْتَجُّ بِهِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّ لَهُنَّ أَنْ يُبَاشِرْنَ الْعَقْدَ بِأَنْفُسِهِنَّ، لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ إِذْنَ الْمَوَالِي لَا عَقْدَهُمْ.
وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ الْأُجُورُ هُنَا الْمُهُورُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إِيتَاءِ الْأَمَةِ مَهْرَهَا لَهَا، وَأَنَّهَا أَحَقُّ بِمَهْرِهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، قَالَ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مَهْرَ أَمَتِهِ وَيَدَعَهَا بِلَا جَهَازٍ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُهُ لِلسَّيِّدِ دُونَهَا. قِيلَ:
الْإِمَاءُ وَمَا فِي أَيْدِيهِنَّ مَالُ الْمُوَالِي، فَكَانَ أَدَاؤُهُ إِلَيْهِنَّ أَدَاءً إِلَى الْمَوَالِي. وَقِيلَ: عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: وَآتُوا مَوَالِيَهُنَّ. وَقِيلَ: حَذَفَ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (?) لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ (?) عليه وصار نظيرا الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ (?) أَيْ فُرُوجَهُنَّ، وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ (?) أَيِ اللَّهَ كَثِيرًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُجُورُهُنَّ نَفَقَاتُهُنَّ. وَكَوْنُ الْأُجُورِ يُرَادُ بِهَا الْمُهُورُ هُوَ الْوَجْهُ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّمْكِينِ لَا بِالْعَقْدِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: بِالْمَعْرُوفِ، أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ.
قِيلَ: وَمَعْنَاهُ بِغَيْرِ مَطْلٍ وَضِرَارٍ، وَإِخْرَاجٍ إِلَى اقْتِضَاءٍ وَلَزٍّ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بِالشَّرْعِ وَالسُّنَّةِ أَيِ:
الْمَعْرُوفُ مِنْ مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ اللَّاتِي سَاوَيْنَهُنَّ فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ. وَقِيلَ: بِالْمَعْرُوفِ، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَانْكِحُوهُنَّ، أَيْ: فَانْكِحُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ، وَمَهْرِ مِثْلِهِنَّ، وَالْإِشْهَادِ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي غَالِبِ الأنكحة.