كَانُوا حُمَاةً، لَيْسُوا بِمُرَابِطِينَ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَصَابِرُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ أَيْ غَالِبُوهُمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى شَدَائِدِ الْحَرْبِ، لَا تَكُونُوا أَقَلَّ صَبْرًا مِنْهُمْ وَثَبَاتًا. وَالْمُصَابَرَةُ بَابٌ مِنَ الصَّبْرِ، ذُكِرَ بَعْدَ الصَّبْرِ عَلَى مَا يَجِبُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ تَحْقِيقًا لِشِدَّتِهِ وَصُعُوبَتِهِ.
وَرَابِطُوا: وَأَقِيمُوا فِي الثغور رباطين خَيْلَكُمْ فِيهَا مُتَرَصِّدِينَ مُسْتَعِدِّينَ لِلْغَزْوِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (?)
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَابَطَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ كَعِدْلِ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَنْفَتِلُ عَنْ صَلَاتِهِ إِلَّا لِحَاجَةٍ»
انْتَهَى كَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»
وَفِي مُسْلِمٍ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ»
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: «كُلُّ الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانَيِ الْقَبْرِ» .
وتضمنت هذه الآيات من ضُرُوبِ الْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ الِاسْتِعَارَةَ. عَبَّرَ بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ عَنِ الْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَبِالنَّبْذِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ عَنْ تَرْكِ عَمَلِهِمْ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ، وَبِاشْتِرَاءِ ثَمَنٍ قَلِيلٍ عَنْ مَا تَعَوَّضُوهُ مِنَ الْحُطَامِ عَلَى كَتْمِ آيَاتِ اللَّهِ، وَبِسَمَاعِ الْمُنَادِي إِنْ كَانَ الْقُرْآنَ عَنْ مَا تَلَقَّوْهُ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ بِالِاسْتِجَابَةِ عَنْ قَبُولِ مَسْأَلَتِهِمْ، وَبِانْتِفَاءِ التَّضْيِيعِ عَنْ عَدَمِ مُجَازَاتِهِ عَلَى يَسِيرِ أَعْمَالِهِمْ، وَبِالتَّقَلُّبِ عَنْ ضَرْبِهِمْ فِي الْأَرْضِ لِطَلَبِ الْمَكَاسِبِ، وَبِالْمِهَادِ عَنِ الْمَكَانِ المستقر فيه، وبالنزل عَمَّا يُعَجِّلُ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَبِالْخُشُوعِ الَّذِي هُوَ تَهَدُّمُ الْمَكَانِ وَتَغَيُّرُ مَعَالِمِهِ عَنْ خُضُوعِهِمْ وَتَذَلُّلِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبِالسُّرْعَةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَشْيِ عَنْ تَعْجِيلِ كَرَامَتِهِ.
قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحِسَابُ اسْتُعِيرَ لِلْجَزَاءِ، كَمَا اسْتُعِيرَ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ (?) لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُقَامُ لَهُمْ حِسَابٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (?) وَالطِّبَاقَ في: لتبيينه لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ، وَفِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَالسَّمَاءُ جِهَةُ الْعُلُوِّ وَالْأَرْضُ جِهَةُ السُّفْلِ، وَاللَّيْلُ عِبَارَةٌ عَنِ الظُّلْمَةِ وَالنَّهَارُ عِبَارَةٌ عَنِ النُّورِ، وَفِي: قِيَامًا وقعودا ومن: ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. وَالتَّكْرَارَ: فِي لَا تَحْسَبَنَّ فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ، وَفِي: رَبَّنَا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ، وَفِي: فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا إِنْ كَانَ الْمَعْنَى واحدا