وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ: فَاتَّبَعُونِّي، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، أَلْحَقَ فِعْلَ الْأَمْرِ نُونَ التَّوْكِيدِ وَأَدْغَمَهَا فِي نُونِ الْوِقَايَةِ، وَلَمْ يَحْذِفِ الواو شبها: بأتحاجوني، وَهَذَا تَوْجِيهُ شُذُوذٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ لِقَوْلِهِمْ تَصْدِيقًا مِنْ عَمَلٍ، فَمَنِ ادَّعَى مَحَبَّتَهُ وَخَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِهِ فَهُوَ كَذَّابٌ، وَكِتَابُ اللَّهِ يُكَذِّبُهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ يَذْكُرُ مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَيُصَفِّقُ بِيَدَيْهِ مَعَ ذِكْرِهَا، وَيَطْرَبُ وَيَنْعَرُ وَيُصَفِّقُ، وَقُبِّحَ مَنْ فِعْلُهُ هَذَا، وَزَرَى عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو إدغام: راء، و: يغفر لَكُمْ، فِي لَامِ: لَكُمْ، وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ وَغَلَطٌ مِمَّنْ رَوَاهَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَكَرْنَا أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكُوفَةِ: أبا جعفر الرؤاسي، وَالْكِسَائِيَّ، وَالْفَرَّاءَ رَوَوْا ذَلِكَ عَنِ الْعَرَبِ، وَرَأْسَانِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ وَهُمَا: أَبُو عَمْرٍو، ويعقوب قرآ بِذَلِكَ وَرَوَيَاهُ، فَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ.

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ هَذَا تَوْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: فَاتَّبِعُونِي،

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُ طَاعَتَهُ كَطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَأْمُرُ بِأَنَّ نَحْبَهُ كَمَا أَحَبَّتِ النصارى عيسى بن مَرْيَمَ، فَنَزَلَ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ.

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ: تَوَلَّوْا، مَاضِيًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُضَارِعًا حُذِفَتْ مِنْهُ التَّاءُ، أَيْ: فَإِنْ تَتَوَلَّوْا، وَالْمَعْنَى: فَإِنْ تَوَلَّوْا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنِ اتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ كَافِرًا. وَجَعَلَ مَنْ لَمْ يَتْبَعْهُ وَلَمْ يُطِعْهُ كَافِرًا، وَتَقْيِيدُ انْتِفَاءِ مَحَبَّةِ اللَّهِ بِهَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ مُشْعِرٌ بِالْعَلِيَّةِ، فَالْمُؤْمِنُ الْعَاصِي لَا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ.

قِيلَ: وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ ضُرُوبِ الْفَصَاحَةِ وَفُنُونِ الْبَلَاغَةِ الْخِطَابُ الْعَامُّ الَّذِي سَبَبُهُ خَاصٌّ. فِي قَوْلِهِ: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ وَالتَّكْرَارُ، فِي قَوْلِهِ: الْمُؤْمِنُونَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي قَوْلِهِ: مِنَ اللَّهِ، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، وَإِلَى اللَّهِ، وَفِي: يَعْلَمْهُ اللَّهُ، وَيَعْلَمُ، وَفِي قَوْلِهِ: يَعْلَمْهُ اللَّهُ، وَاللَّهُ عَلَى، وَفِي قَوْلِهِ: مَا عَمِلَتْ، وَمَا عَمِلَتْ، وَفِي قَوْلِهِ: اللَّهُ نَفْسَهُ، وَاللَّهُ، وَفِي قَوْلِهِ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ، والله رؤوف، وَفِي قَوْلِهِ: تُحِبُّونَ اللَّهَ، يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ، قل أطيعوا الله، فإن اللَّهَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015