قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: مَوْضِعُ: ألم، نصب، والتقدير: قرأوا ألم، و: عليكم الم. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمَعْنَى: هذا ألم، و: ذلك الم.
وَتَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: هَذِهِ الْحُرُوفُ كِتَابُكَ.
وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ: الْقَيَّامُ. وَقَالَ خَارِجَةٌ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: الْقَيَّمُ، وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ.
اللَّهُ رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ ونَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ: نَزَّلَ، هُوَ الْخَبَرُ، وَ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، جملة اعترض.
وَتَقَدَّمَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ اسْتِقْصَاءُ إِعْرَابِ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
وَقَالَ الرَّازِيُّ: مَطْلَعُ هَذِهِ السُّورَةِ عَجِيبٌ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَازَعُوا كَأَنَّهُ قِيلَ: إِمَّا أَنْ تُنَازِعُوا فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ، أَوْ فِي النُّبُوَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ:
حَيٌّ قَيُّومٌ، وَالْحَيُّ الْقَيُّومُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِي فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي عَرَفْتُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، هُوَ بِعَيْنِهِ قَائِمٌ هُنَا، وَذَلِكَ هُوَ الْمُعْجِزَةُ.
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ الْكِتَابَ هُنَا: الْقُرْآنُ، بِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ، وَتَكَرَّرَ كَثِيرًا، وَالْمُرَادُ الْقُرْآنُ، فَصَارَ عِلْمًا. بِالْغَلَبَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نَزَّلَ، مُشَدَّدًا وَ: الْكِتَابَ، بِالنَّصْبِ، وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ، وَالْأَعْمَشُ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: نَزَلَ، مُخَفَّفًا، وَ: الْكِتَابُ، بِالرَّفْعِ، وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَحْتَمِلُ الْآيَةُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُنْقَطِعَةً. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: نَزَلَ الْكِتَابُ عَلَيْكَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَتَى هُنَا بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: عَلَيْكَ، وَلَمْ يَأْتِ بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ التَّوْرَاةُ، وَلَا الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْإِنْجِيلُ، تَخْصِيصًا لَهُ وَتَشْرِيفًا بِالذِّكْرِ، وَجَاءَ بِذِكْرِ الْخِطَابِ لِمَا فِي الْخِطَابِ مِنَ الْمُؤَانَسَةِ، وَأَتَى بِلَفْظَةِ: عَلَى، لِمَا فِيهَا مِنِ الِاسْتِعْلَاءِ. كَأَنَّ الْكِتَابَ تَجَلَّلَهُ وَتَغَشَّاهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَعْنَى: بِالْحَقِّ: بِالْعَدْلِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْعَدْلُ فِيمَا اسْتَحَقَّهُ عَلَيْكَ مَنْ حَمْلِ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ. الثَّانِي: بِالْعَدْلِ فِيمَا اخْتَصَّكَ بِهِ مِنْ شَرَفِ النُّبُوَّةِ.