ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن مجاهد، والحسن البصريّ، والنخعيّ، وعطاء بن أبي رباح، وأبي جعفر الباقر، والحكم، والشعبيّ، وحكاه ابن المنذر عن الثوريّ، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وبه قال ابن وهب صاحب مالك (?).
وقال الأثرم: سمعت أحمد سُئل عمن اغتسل، ثم أحدث، هل يكفيه الوضوء؟ فقال: نعم، ولم أسمع فيه أعلى من حديث ابن أبزى. يُشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، وله صحبة: "أنه كان يغتسل يوم الجمعة، ثم يُحدث، فيتوضأ، ولا يُعيد الغسل" (?).
وذهب مالك إلى أنه يشترط أن يكون الغسل متصلًا بالذهاب إلى الجمعة.
وحكى ابن المنذر عن الأوزاعيّ، أنه قال: يجزئه أن يغتسل قبل الفجر للجنابة والجمعة، وحكى ابن حزم عن الأوزاعيّ أنه قال كقول مالك: لا يُجزئ غسل الجمعة إلا متصلًا بالرواح، قال: إلا أن الأوزاعي قال: إن اغتسل قبل الفجر، ونهض إلى الجمعة أجزأه، وحكى إمام الحرمين في "النهاية" وجهًا أنه يُجزئ قبل الفجر، كغسل العيد، قال النووي: وهو شاذ منكر (?).
واحتُجّ لمالك بحديث الباب: "إذا جاء أحدكم الجمعة، فليغتسل".
قال ولي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وجواب الجمهور عن هذا الحديث أنه تبيّن برواية مسلم تعليق الأمر بالغسل على إرادة إتيان الجمعة، وليس يلزم أن يكون إتيان الجمعة متصلًا بإرادة ذلك، فقد يريد عقب الفجر إتيانها، ويتأخر الإتيان إلى ما بعد الزوال، ولا شكّ أن كل من تجب عليه الجمعة، وهو مواظب على الواجبات إذا خطر له عقب الفجر أمر الجمعة أراد إتيانها، وإن تأخر الإتيان زمنًا طويلًا، وذلك يدلّ على أنه ليس المدار على نفس الإتيان، بل على إرادته، ليحترز به عمن هو مسافر، أو معذور بغير ذلك من الأعذار القاطعة عن الجمعة، واللَّه أعلم. انتهى (?).