ولأحمد من طريق محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: "فأمرني أن أَنْصِبَ له حصيرًا على باب حُجْرتي ففعلت، فخرج. . . " فذكر الحديث.

قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى يَحْتَجِر يحوط موضعًا من المسجد بحصير يستره؛ ليصلي فيه، ولا يَمُرّ بين يديه مارّ؛ ليتوفّر خشوعه، ويتفرغ قلبه.

وتعقبه الكرمانيّ بأن لفظ الحديث لا يدلّ على أن احتجاره كان في المسجد، قال: ولو كان كذلك للزم منه أن يكون تاركًا للأفضل الذي أَمَر الناس به، حيث قال: "فصلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".

ثم أجاب بأنه إن صحّ أنه كان في المسجد، فهو إذا احتجر صار كأنه بيتٌ بخصوصيته، أو أن السبب في كون صلاة التطوع في البيت أفضل عدم شوبه بالرياء غالبًا، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- منزه عن الرياء في بيته، وفي غير بيته. انتهى (?).

(فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ) أي: صلّى بعض الصحابة -رضي اللَّه عنهم- مقتدين بصلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ) أي: من الليلة المقبلة، وهو لفظ معمر، عن ابن شهاب، عند أحمد، وللبخاريّ في رواية المستملي: "ثم صلى من القابل" أي: الوقت القابل، قال في "القاموس": والقابلة: الليلة المقبلةُ، وقد قَبَلَتْ، وأقبلت. انتهى (?). (فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ) كذا رواه مالك بالشكّ، وفي رواية يونس، عن ابن شهاب التالية: "فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس يتحدثون بذلك"، ونحوه في رواية عمرة، عن عائشة عند البخاريّ، ولأحمد من رواية ابن جريج، عن ابن شهاب: "فلما أصبح تحدثوا أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى في المسجد من جوف الليل، فاجتمع أكثر منهم"، زاد يونس: "فخرج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الليلة الثانية، فصلوا معه، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج، فصلَّوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة، عَجَزَ المسجدُ عن أهله"، ولابن جريج: "حتى كان المسجد يَعْجِز عن أهله"، ولأحمد من رواية معمر، عن ابن شهاب: "امتلأ المسجد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015