ولا يَرِدُ على هذا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في إقامته بمكة في الفتح: "إنا قَوْمٌ سَفْرٌ"؛ لأنه كان إذ ذاك مترددًا، ولم يعزم على إقامة مدة معينة. انتهى كلام الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).

قال صاحب "المرعاة": لا شكّ أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان جازمًا بالإقامة أربعة أيّام بمكة في حجته؛ لأنه دخلها صبيحة رابعة من ذي الحجة، وخرج منها إلى منى في بعض الثامن؛ أي: بعد صلاة الصبح، فكان ناويًا لإقامة تلك المدّة بلا شكّ، وقد قصر بها الصلاة، فهذا يدلّ لمذهب الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ-، ولم يثبت حديث مرفوع قوليّ، ولا فعليّ أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أزمع على أكثر من أربعة أيّام، وقصر الصلاة، فالقول الراجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد، واللَّه أعلم. انتهى (?).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن أقوى المذاهب وأرجحها في هذه المسألة هو مذهب الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو أن من نوى الإقامة في بلد إحدى وعشرين صلاةً مدة إقامته -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة قَصَر، ومن نوى أكثر من ذلك أتمّ، فهذا هو الذي أيّده الدليل، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا [2/ 1586 و 1587 و 1588 و 1589] (693)، و (البخاريّ) في "تقصير الصلاة" (1081)، و"المغازي" (4297)، و (أبو داود) في "الصلاة" (1233)، و (الترمذيّ) فيها (48 5)، و"النسائيّ" في "تقصير الصلاة" (1438 و 1452)، و"الكبرى" (1896 و 1910)، و (ابن ماجه) في "الصلاة" (1077)، و (أحمد) في "مسنده" (3/ 187 و 190 و 282)، و (الدارميّ) في "سننه" (1518)، و (ابن خزيمة) في "صحيحه" (956 و 2996)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (2751)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (2370

طور بواسطة نورين ميديا © 2015