أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين، وهذه طُرُق يُقَوِّي بعضها بعضًا، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام، وليس بمعارض للوجه الذي اخترته، بل يقوِّيه من حيث إن حالة الإقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها، بخلاف السائر، وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان -رضي اللَّه عنه-.

وأما عائشة -رضي اللَّه عنها- فقد جاء عنها سبب الإتمام صريحًا، وهو فيما أخرجه البيهقيّ من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، أنها كانت تصلي في السفر أربعًا، فقلت لها: لو صليت ركعتين، فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشُقّ عليّ. إسناده صحيح، وهو دالّ على أنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشُقّ عليه أفضل.

ويدلُّ على اختيار الجمهور ما رواه أبو يعلى، والطبرانيّ بإسناد جيّد، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه سافر مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومع أبي بكر وعمر، فكلهم كان يصلي ركعتين، من حين يخرج من المدينة إلى مكة حتى يرجع إلى المدينة في السير، وفي المقام بمكة.

قال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما ملخَّصه: تمسّك الحنفية بحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- في أن الفرض في السفر أن يصلي الرباعية ركعتين.

وتُعُقِّب بأنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة، وعندهم العبرة بما رأى الراوي إذا عارض ما روى، ثم ظاهر الحديث مخالف لظاهر القرآن؛ لأنه يدلّ على أنها فُرِضت في الأصل ركعتين، واستمَرَّت في السفر، وظاهر القرآن أنها كانت أربعًا فنقصت، ثم إن قولها: "الصلاة" تعمّ الخمس، وهو مخصوص بخروج المغرب مطلقًا والصبح بعدم الزيادة فيها في الحضر، قال: والعام إذا خُصّ ضَعُفَت دلالته حتى اختُلِف في بقاء الاحتجاج به. انتهى (?).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن أرجح التأويلات في إتمام عثمان وعائشة -رضي اللَّه عنهما- قول من قال: إنهما كانا يريان القصر رخصةً غير واجبة، فأخذا بالأكمل؛ اجتهادًا منهما، وهذا هو الذي تقدّم ترجيحه عن القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015