فأقام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اليوم الرابع، والخامس، والسادس، والسابع، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها، قال: فإذا أجمع أن يقيم كما أقام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَصَرَ، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتمّ. انتهى (?).
والحاصل أن من نوى أن يقيم أكثر من إحدى وعشرين صلاةً عدد صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في مكة أتمّ، ومن نوى إحدى وعشرين، أو أقل من ذلك قَصَرَ، كما قصر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في إحدى وعشرين صلاةً، مع أنه عَزَم على أنه سيقيم بمكة هذه المدة.
وهذا هو القول الموافق لفعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأما ما عداه من الأقوال فليس عليه دليل صريح مرفوع يؤيده، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:
[1571] (. . .) - (وَحَدَّثَنِي (?) أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَتْ: "فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى").
رجال هذا الإسناد: سبعة:
1 - (أَبُو الطَّاهِرِ) أحمد بن عمرو بن عبد اللَّه بن عمرو بن السَّرْح المصريّ، ثقةٌ [10] (ت 250) (م د س ق) تقدم في "المقدمة" 3/ 10.
2 - (حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى) التُّجيبيّ، أبو حفص المصريّ، صاحب الشافعيّ، صدوقٌ [11] (ت 3 أو 144) (م س ق) تقدم في "المقدمة" 3/ 14.
3 - (ابْنُ وَهْبٍ) هو: عبد اللَّه القرشيّ مولاهم، أبو محمد المصريّ، ثقةٌ حافظٌ فقيهٌ عابدٌ [9] (ت 197) (ع) تقدم في "المقدمة" 3/ 10.