وقوله: (قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) التعريس: نزول المسافر آخر الليل.
وقوله: (فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ) فيه دليلٌ على استحباب اجتناب مواضع الشيطان، وهو أظهر المعنيين في النهي عن الصلاة في الْحمّام، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ذهب بعض العلماء إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فقال: إن من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في سفر زال عن موضعه، وإن كان واديًا خرج عنه، واعتَضَدَ بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تحوّلوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة" (?)، وهذه الزيادة ذكرها أبو داود في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
وقال آخرون: إنما يلزم هذا في ذلك الوادي بعينه، إن عُلِم، ونزلت فيه مثل تلك النازلة، فيجب الخروج منه، كما فَعَل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال الجمهور: إن هذا غير مُرَاعَى، وإن من استيقظ عن صلاة فاتته صلّاها في ذلك الوقت، وحيثما كان؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فحيثما أدركتك الصلاة فصَلِّ" (?)، وهذا الحديث لا يصلح لتخصيصه في غير حقّ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ لا يَعْلَم غيرُ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من حال ذلك الوادي، ولا من غيره من المواضع ما عَلِمَه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبتقدير أن تقع النازلة في ذلك الوادي، فلا ندري، هل ذلك الشيطان باقٍ أم لا؟ ، وقوله: "تحوّلوا" خطاب لأصحابه الكائنين معه خاصّةً، لا يتعدّاه إلى غيرهم؛ لأنه كان لسبب عِلْمِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بحضور الشيطان فيه، وغيرُهُ لا يعلم ذلك، فلا يتعدّى إليه ذلك الحَكم، وإلى معنى ما ذكرناه ذهب الداوديّ وغيره من أصحابنا في تأويل الحديث. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي الأرجح ما قاله الأولون، فمن أدركته الغفلة، أو نام عن صلاة في موضع انتقل من ذلك الموضع إلى غيره؛ لأمره -صلى اللَّه عليه وسلم-