واستدل الأولون بحديث الباب، وغيره، قال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولا ينتهض الاستدلال به؛ لأن الفعل بمجرده لا يدلّ على الوجوب، قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إلا أن يُسْتدلّ بعموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، فيَقْوَى، قال: وقد اعتَبَر ذلك الشافعية في أشياء غير هذا. انتهى.
قال الشوكانيّ: وقد استُدِلَّ للموجبين أيضًا بأن توقيت المقضيّة بوقت الذكر أضيق من توقيت المؤدّاة، فيجب تقديم ما تضيق.
ومثله الترتيب بين الفوائت نفسها، فقال بوجوبه أبو حنيفة وطائفة، وقال الشافعي، وطائفة: إنه غير واجب، قال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهو الظاهر؛ لأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب، إلا أن يُستَدَلّ بعموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلوا كما رَأَيْتُموني أصلي"، ولكنه غير خالص عن شوب اعتراض، ومعارضة. انتهى كلام الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (?).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الذي يترجح عندي هو القول بوجوب الترتيب، سواء كان بين الوقتية والفائتة، أو بين الفوائت نفسها؛ لأمور:
(الأول): فعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه لم يُنقَل عنه غير الترتيب.
(الثاني): قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
(الثالث): أنها وجبت في الأصل مرتبة، ولم يوجد دليل يعارض هذا الأصل، فلزم القول به.
والحاصل أن مجموع هذه الأمور يفيد وجوب الترتيب، وأما القائلون بعدمه، فليس عندهم دليل قويّ يعارض ما ذكرنا، فتبصر، واللَّه أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف العلماء فيمن ذكر صلاةً فائتةً، وهو في أخرى:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا في الرجل يكون في الصلاة، فيذكر أن عليه صلاة قبلها، فقالت طائفة: تفسد عليه صلاته التي هو فيها، فعليه أن يصلي التي ذكرها، ثم التي كان فيها، هذا قول النخعيّ،