هذا إلى ما في تعبيره بلفظ "كيدودة" من الثقل، واللَّه الهادي إلى الصواب.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله الحافظ من ترجيح قول اليعمريّ، والردّ على الكرمانيّ بناء على القول المرجوح عند النحاة، فما قاله الكرمانيّ هو الموافق للقول الراجح عندهم، وهو أن "كاد" كسائر الأفعال، نفيها نفي، وإثباتها إثبات، ودونك عبارة السمين الحلبي في "تفسيره" عند قوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة: 20].

[واعلم]: أن خبرها إذا كانت هي منفية منفيّ في المعنى؛ لأنها للمقاربة، فإذا قلت: كان زيد يفعل كان معناه قارب الفعل، إلا أنه لم يفعل، فإذا نفيت انتفى خبرها بطريق الأولى؛ لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفى هو من باب أولى، ولهذا كان قوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40] أبلغ من أن لو قيل: لم يرها؛ لأنه لم يقارب الرؤية، فكيف له بها؟ .

وزعم جماعة، منهم ابن جنّي، وأبو البقاء، وابن عطية أن نفيها إثبات، وإثباتها نفي، حتى ألغز أبو العلاء المعَرّيّ فيها، فقال:

أَنَحْوِيَّ هَذَا الْعَصْرِ مَا هِيَ لَفْظَةٌ ... جَرَتْ فِي لِسَانَي جُرْهُمٍ وَثَمُودِ

إِذَا نُفِيَتْ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَثْبَتَتْ ... وَإِنْ أُثْبِتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ

انتهى (?).

فتبيّن بما ذُكر أن الصحيح في معناها أن إثباتها إثبات، ونفيها نفي، كسائر الأفعال، فعلى هذا فما قاله الكرمانيّ هو الراجح، فظاهر الحديث أن عمر -رضي اللَّه عنه- لم يصل العصر، مثل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبقية "الصحابة" -رضي اللَّه عنهم-.

فقول الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فإن قيل: الظاهر أن عمر كان مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكيف اختصّ بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس، بخلاف بقية الصحابة، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- معهم؟ .

فالجواب أنه يَحْتَمِل أن يكون الشغل وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس، وكان عمر حينئذ متوضئًا، فبادر، فأوقع الصلاة، ثم جاء إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015