وفي رواية: عن ابن مسعود قال: دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسجد، وهو بين أبي بكر وعمر، وإذا ابن مسعود يصلي، وإذا هو يقرأ "النساء"، فانتهى إلى رأس المائة، فجعل ابن مسعود يدعو، وهو قائم يصلي، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اسأل تعطه، اسأل تعطه"، ثم قال: "مَن سَرّه أن يقرأ القرآن غَضًّا كما أُنزل، فليقرأه بقراءة ابن أم عبد"، فلما أصبح غدا إليه أبو بكر -رضي اللَّه عنه- ليبشّره، وقال له: ما سألت اللَّه البارحة؟ قال: قلت: "اللهم إني أسألك إيمانًا لا يرتدّ، ونعيمًا لا ينفد، ومرافقة محمد في أعلى جنة الخلد"، ثم جاء عمر -رضي اللَّه عنه-، فقيل له: إن أبا بكر قد سبقك، قال: يرحم اللَّه أبا بكر، ما سبقته إلى خير قط، إلا سبقني إليه (?)، واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه (قَالَ: حَبَسَ) من باب ضرب، أي منع (الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ) أي عن أدائها في وقتها (حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، أَوِ اصْفَرَّتْ) ظاهر أن وقتها لم يخرج، وهو مخالف لما سبق من الأحاديث الصريحة بأن الشمس غربت، ويمكن أن يُجمع بحمل هذا على بعض الأيام؛ لأن الخندف كان أيامًا، واللَّه تعالى أعلم (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى) أي منعونا عن أدائها في وقتها المستحبّ، وقوله: (صَلَاةِ الْعَصْرِ) بالجرّ بدل، أو عطف بيان لـ "الصلاة الوسطى"، كما سبق بيانه (مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ) بفتح الهمزة: جمع جوف، وهو بمعنى الرواية الأخرى: "بطونهم" (وَقُبُورَهُمْ نَارًا، أَوْ) للشكّ من الراوي (قَالَ: حَشَا) هو بمعنى "ملأ"، يقال: حشوت الوسادة وغيرها بالقطن أحشوه حَشْوًا، من باب نصر: إذا ملأته (اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ، وَقُبُورَهُمْ نَارًا") قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد استُشكل هذا الحديث بأنه تضمّن دعاء صدر من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على من يستحقّه، وهو من مات منهم مشركًا، ولم يقع أحد الشقّين، وهو البيوت، أما القبور فوقع في حقّ من مات منهم مشركًا لا محالة.

ويُجاب بأن يُحمل على سكّانها، وبه يتبيّن رجحان الرواية بلفظ: "قلوبهم، أو أجوافهم" أي بدل بيوتهم. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015