رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، فأذّن بلالٌ، فقال: مه يا بلال. . . " الحديث.
(بِالظُّهْرِ) متعلّق بـ "أذّن"، أي أعلم الناس بدخول وقت الظهر (فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ") أمر من الإبراد، مكرّرًا، وظاهر هذا أن الأمر بالإبراد وقع بعد تقدّم الأذان منه، ووقع في رواية للبخاريّ بلفظ: "فأراد أن يؤذّن للظهر"، وظاهره أن ذلك وقع قبل الأذان، فيُجمع بينهما بأنه شَرَع في الأذان، فقيل له: أَبْرِدْ، فترك، فمعنى "أذّن": شَرَع في الأذان، ومعنى "أراد أن يؤذّن": أي يُتمّ الأذان، قاله في "الفتح" (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الأقرب في وجه الجمع -كما قاله في "العمدة" (?) - أن يقال: إن معنى قوله: "أذّن" أراد الشروع في الأذان، فهذا أسهل وأوفق في الجمع، فتأمله، واللَّه تعالى أعلم.
وفي رواية البخاريّ: "فأراد المؤذّن أن يؤذّن للظهر، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أبرد، ثم أراد أن يؤذّن، فقال له: أبرد"، زاد أبو داود في روايته، عن أبي الوليد، عن شعبة: "مرتين أو ثلاثًا"، وجزم مسلم بن إبراهيم، عن شعبة بذكر الثالثة، وهو عند البخاريّ في "باب الأذان للمسافرين".
[فإن قيل]: الإبراد للصلاة، فكيف أمر المؤذن به للأذان؟ .
[فالجواب]: أن ذلك مبنيّ على أن الأذان هل هو للوقت، أو للصلاة؟ ، وفيه خلاف مشهور، والأمر المذكور يُقَوِّي القول بأنه للصلاة.
وأجاب الكرمانيّ بأن عادتهم جرت بأنهم لا يتخلفون عند سماع الأذان عن الحضور إلى الجماعة، فالإبراد بالأذان لغرض الإبراد بالعبادة، قال: ويَحْتَمِل أن المراد بالتأذين هنا الإقامة.
قال الحافظ: ويشهد له رواية الترمذيّ من طريق أبي داود الطيالسيّ، عن شعبة، بلفظ: "فأراد بلال أن يقيم"، لكن رواه أبو عوانة من طريق حفص بن عمر، عن شعبة، بلفظ: "فأراد بلال أن يؤذن"، وفيه: "ثم أمره، فأذَّن وأقام".
ويُجْمَع بينهما بأن إقامته كانت لا تتخلف عن الأذان؛ لمحافظته -صلى اللَّه عليه وسلم- على الصلاة في أول الوقت، فرواية: "فأراد بلال أن يقيم"، أي أن يؤذِّن ثم يقيم،