وأصحاب الشافعيّ الدعاء عقب الصلوات، وذَكَره بعض الشافعيّة اتّفاقًا، واستدلّوا بحديث أبي أُمامة -رضي اللَّه عنه- قال: قيل لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيُّ الدعاء أسمع؟ قال: "جوفُ الليل الآخرُ، ودبر الصلوات المكتوبات"، أخرجه الإمام أحمد، والترمذيّ، وحسّنه.
وأخرج الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، بإسناد صحيح، عن عقبة بن مسلم، عن أبي عبد الرحمن الْحُبُليّ، عن الصُّنَابحيّ، عن معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه-، أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ بيده يومًا، ثم قال: "يا معاذ إني لأحبك"، فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، وأنا أحبك، قال: "أوصيك يا معاذ، لا تَدَعَنَّ في دبر كل صلاة، أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، قال: وأوصى بذلك معاذ الصُّنَابحيّ، وأوصى الصُّنابِحيّ، أبا عبد الرحمن، وأوصى أبو عبد الرحمن عُقبةَ بن مسلم (?).
وقالت طائفة من أصحابنا، ومن الشافعيّة: يدعو الإمام للمأمومين عقب صلاة الفجر والعصر؛ لأنه لا يُتنفّل بعدهما، وظاهر كلامهم أنه يجهر، ويُؤمّنون عليه، وفي ذلك نظر، وقد ذكرنا حديث دعاء النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عقب الصلاة جهرًا، وأنه لا يصحّ، ولم يصحّ في ذلك شيء عن السلف، والمنقول عن الإمام أحمد أنه كان يجهر ببعض الذكر عقب الصلاة، ثم يُسرّ بالباقي، ويَعقد التسبيح والتكبير والتحميد سرًّا، ويدعو سرًّا.
ومن الفقهاء من يَستحبّ للإمام الدعاء للمأمومين عقب كلّ صلاة، وليس في ذلك سنّة، ولا أثرٌ يُتَّبَع. انتهى كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- بتصرّف (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله الإمام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- تحقيق نفيسٌ جدًّا.
وحاصله أنه يُستحبّ الذكر والدعاء عقب الصلوات المكتوبات، وأن ذلك من هدي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهدي السلف، وإن كرهه بعضهم، ولكن لا وجه له، فقد ثبتت فيه أحاديث كثيرة: