فهذه الأحاديث تدلّ على استحباب استقبال الإمام للمأمومين بعد الفراغ من الصلاة، والمواظبة على ذلك؛ لما يشعر به لفظ "كان"، كما هو القول الراجح فيها، فقد حقّقته في "التحفة المرضيّة"، وشرحها.
[تنبيه]: قيل: الحكمة في استقبالهم أن يعلّمهم ما يحتاجون إليه، وعلى هذا يختصّ بمن كان حاله في مثل حاله -صلى اللَّه عليه وسلم- من الصلاحية للتعليم والموعظة.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: دعوى الاختصاص فيه نظر لا يخفى.
وقيل: الحكمة أن يعرف الداخل انقضاء الصلاة، إذ لو استمرّ الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلًا.
وقال الزين ابن المنَيّر: استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحقّ الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب، واستقبالهم حينئذ يرفع الخُيَلاء والترفّع على المأمومين.
وحديث سمرة -رضي اللَّه عنه- يدلّ على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُقبل على جميع المأمومين، وحديث البراء يدلّ على أنه كان يقبل على من في جهة يمينه.
ويمكن الجمع بينهما بأنه كان تارة يستقبل جميع المأمومين، وتارة يستقبل أهل يمينه.
أو يُجعَلُ حديثُ البراء مفسّرًا لحديث سمرة -رضي اللَّه عنه-، فيكون المراد بقوله: "أقبل علينا" أي على بعضنا.
أو أنه كان يصلي في الميمنة، فقال ذلك باعتبار من يصلي في جهة اليمين، أفاده في "النيل" (?).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: خلاصة القول في هذه المسألة أن الأحاديث الصحاح تدلّ على أنه يستحبّ للإمام أن يُقبل على المأمومين بعد السلام، إن شاء من جهة يمينه، وإن شاء أقبل عليهم جميعًا؛ لأن هذا هو هدي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وغالب أحواله.
هذا إن إذا لم تكن له حاجة، فأما إن كانت له حاجة، فله أن يذهب إليها، ويترك الإقبال عليهم؛ لما أخرجه البخاريّ عن عقبة بن الحارث