ومنه حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- في قصة ذي اليدين هذا، فإن من قال من العلماء بأن الكلام في الصلاة فيما يتعلق بمصلحتها لا يُبطله يحتجّ بما جاء في بعض الروايات الصحيحة من قول ذي اليدين: بلى قد نسيت يا رسول اللَّه، بعد قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لم أنس، ولم تُقصَر".
قالوا: فقد تحقق ذو اليدين أن حكم الصلاة باق بعدُ لتحققه عدم القصر، وتكلّمَ بعد ذلك، وأقرّه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يبطل صلاته، وكذلك قول الصحابة للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد قوله: "لم أنسَ، ولم تقصر": صدق يا رسول اللَّه، لم تصلّ إلا ركعتين.
وأما من قال بأن الكلام لمصلحة الصلاة فيها لا يجوز، ويبطلها، فيحتجّون بالرواية الأخرى من طريق حمّاد بن زيد: فأومأوا، أي نعم، ويقولون: لم يقع كلام من الصحابة بعد تحققهم عدم القصر، ويجيبون عن قول ذي اليدين ثانيًا: بلى قد نسيت يا رسول اللَّه. انتهى كلام العلائي، وهو بحث نفيس جدًّا.
وقد ذكرت في "شرح النسائيّ" نحو خمس عشرة مسألة مهمّة، مما يتعلّق بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا في قصّة ذي اليدين -رضي اللَّه عنه-، وقد ذكرت أهمّها هنا، فراجع البقيّة هناك تستفد عِلْمًا جَمًّا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:
[1292] (. . .) - (حَدَّثَنَا (?) أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (?)، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِحْدَى صَلَاتَي الْعَشِيَّ، بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ).
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 - (أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ) سليمان بن داود، تقدّم في الباب.