فأهللتُ من إيلياء بحج وعمرة (?)، حتى قَدِمْتُ المدينة، فأتيتُ بني سالم، فإذا عتبان بن مالك شيخ كبير، قد ذهب بصره، وهو إمام قومه، فلما سَلَّم من صلاته جئته، فسلمتُ عليه، وأخبرته مَنْ أنا، فحدثني كما حدثني به أولَ مَرَّةٍ، انتهى (?).
(فَلَقِيتُ عِتْبَانَ) بن مالك - رضي الله عنه - (فَقُلْتُ: حَدِيثٌ) التنوين للتعظيم، أي حديث عظيم، وهو مبتدأ، سوّغه كونه فاعلًا في المعنى، أو الوصف المقدّر، وخبره جملة قوله: (بَلَغَنِي عَنكَ) ومراده بهذه الجملة السؤال عن الحديث، كأنه قال: حَدَّثني به.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "بلغني عنك" هذا لا يُخالف ما تقدّم في رواية النسائيّ المطولة مما يقتضي أنه سمعه منه أوّلًا؛ لاحتمال أن يكون قوله: "بلغني عنك"؛ لأجل أن يعتني عتبان بتحديثه الحديثَ على الوجه؛ إذ لو علم أنه سمعه منه قبل هذا ربّما اختصر الحديث، ولم يُحدّثه مفصّلًا؛ لعلمه أنه سمعه منه قبل هذا، وأما إذا علم أنه لم يسمعه منه أصلًا، فيعتني بتحديثه مستوعبًا مفصّلًا، ويحتمل أن يكون سمعه منه ومن غيره، ثم لَمّا أراد الآن أن يُحدّثه لإزالة إنكار أبي أيوب - رضي الله عنه - عليه، ترك سماعه منه؛ لما ذكرناه، وذكر سماعه من غيره، والله تعالى أعلم.
(قَالَ) عتبان - رضي الله عنه - (أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ) وقال في الرواية الأخرى: "عَمًى"، فَيحْتَمِل أنه أراد ببعض الشيء العمى، وهو ذهاب البصر جميعه، ويَحتمل أنه أراد ضعف البصر، وذهاب معظمه، وسَمّاه عَمًى في الرواية الأخرى؛ لقربه منه، ومشاركته إيّاه في فوات بعض ما كان حاصلًا في حال السلامة. قاله النوويّ.
وفي الرواية الآتية في "الصلاة" من طريق الزهريّ، عن محمود، وهي رواية البخاريّ: "أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري ... ".