وقوله: (قَالَ: كُنْتُ أقرَأُ عَلَى أَبِي الْقُرْآنَ) وفي نسخة: "كنت أقرأ القرآن على أبي"، وفي رواية ابن خزيمة: "كنت أنا وأبي نجلس في الطريق، فيَعْرِض عليّ القرآن، وأَعْرِض عليه، فقرأ السجدة، فسجد، فقلت: تسجد في الطريق؟ قال: نعم، سمعت أبا ذرّ. . . "، فذكره.
وقوله: (فِي السُّدَّةِ) متعلّق بـ "أقرأ"، وهي بضم السين، وتشديد الدال المهملتين، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا هو في "صحيح مسلم"، ووقع في كتاب النسائيّ: "في السِّكَّة"، وفي رواية غيره: "في بعض السِّكَك"، وهذا مطابق لقوله: "يا أبت أتسجد في الطريق؟ "، وهو مقارب لرواية مسلم؛ لأن السُّدّة واحدة السُّدَدِ، وهي المواضع التي تُطِلُّ حول المسجد، وليست منه، ومنه قيل لإسماعيل السُّدّيّ؛ لأنه كان يبيع في سُدَّة الجامع، وليس للسُّدَّة حكم المسجد، إذا كانت خارجة عنه.
وقوله: (فَإذَا قَرَأْتُ السَّجْدَةَ سَجَدَ) قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واختَلَفَ العلماء في المعلِّم والمتعلِّم إذا قرآ السجدة، فقيل: عليهما السجود لأول مرّة، وقيل: لا سجود. انتهى (?).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: سيأتي تحقيق البحث في هذا في موضعه -إن شاء اللَّه تعالى-.
وقوله: (فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ) بكسر التاء، وهو الأكثر، وفتحها، قال في "الخلاصة":
وَفِي النِّدَا "أَبَتِ" "أُمَّتِ" عَرَضْ ... وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ وَمِنَ الْيَا التَّا عِوَضْ
وحُكي ضمّها، وهو قليل، وقد ذكر النحاة في نداء الأبوين تسع لغات، وقيل: عشر، فإذا أردت بيان ذلك، فراجع شروح "الخلاصة"، وغيرها.
وقوله: (أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ؟ ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أما سجوده في السُّدَّة، وقوله: "أتسجد في الطريق"، فمحمول على سجوده على طاهر. انتهى.
والحديث متّفقٌ عليه، وتمام شرحه، ومسائله تقدّمت في الحديث الماضي، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.