قال الجامع عفا اللَّه عنه: هكذا رجّح "الحجرات" في "الفتح"، ولم يذكر مستنده، والحقّ أنه {ق}، كما سيأتي بيانه، واللَّه تعالى أعلم.
قال: وأما ما أخرجه الطحاويّ من طريق زُرَارة بن أوفى، قال: أقرأني أبو موسى كتاب عمر إليه: "اقرأ في المغرب آخر المفصَّل، وآخر المفصَّل من {لَمْ يَكُن} إلى آخر القرآن"، فليس تفسيرًا للمفصَّل، بل لآخره، فدَلَّ على أن أوله قبل ذلك. انتهى ما في "الفتح"، وهو تحقيقٌ نفيش.
ثمّ رأيت للحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ- بحثًا رجّح فيه كون أول المفصّل {ق}، ودونك نصّه:
قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: سورة {ق} هذه السورة هي أول الحزب المفصَّل على الصحيح، وقيل: من الحجرات، وأما ما يقوله العوامّ: إنه من {عَمَّ} فلا أصل له، ولم يقله أحد من العلماء المعتبرين فيما نعلم.
قال: والدليل على أن هذه السورة هي أول المفصّل ما رواه الإمام أحمد، قال:
(18542) - حدّثنا عبد الرحمن بن مهديّ، حدّثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفيّ، عن عثمان بن عبد اللَّه بن أوس الثقفيّ، عن جدّه أوس بن حُذيفة، قال: كنت في الوفد الذين أتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسلموا من ثقيف، من بني مالك، أنزلنا في قبة له، فكان يختلف إلينا بين بيوته وبين المسجد، فإذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلينا، فلا يَبرح يحدّثنا، ويشتكي قريشًا، ويشتكي أهل مكة، ثم يقول: "لا سواء، كنا بمكة مستذلين، أو مستضعفين، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سِجال الحرب علينا ولنا"، فمكث عنا ليلةً لم يأتنا حتى طال ذلك علينا بعد العشاء، قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول اللَّه؟ قال: "طرأ عني حزب من القرآن، فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه"، فسألنا أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تُحَزِّبون القرآن؟ ، قالوا: نُحَزِّبه ستَّ سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورةً، وثلاث عشرة سورةً، وحزب المفصّل، من {ق} حتى تختم. انتهى.