والله، مع أنه قال أوّلًا: سمعتُ أنسًا، فأراد به الاستثبات، فإن قتادة - رحمه الله - كان من المدلسين، وكان شعبة - رحمه الله - من أشد الناس ذمًّا للتدليس، وكان يقول: الزنى أهون من التدليس، وقد تقرر أن المدلس إذا قال: "عن" لا يُحتجّ به، وإذا قال: "سَمِعت" احتُجّ به على المذهب الصحيح المختار، فأراد شعبة - رحمه الله - الاستثبات من قتادة في لفظ السماع، والظاهر أن قتادة عَلِم ذلك من حال شعبة، ولهذا حَلَف بالله تعالى، والله أعلم. انتهى (?).
[تنبيه آخر]: قوله: (إِي وَاللهِ) قال ابن هشام الأنصاريّ - رحمه الله - في "مغنيه": "إِي" بكسر الهمزة، وسكون الياء: حرف جواب بمعنى "نَعَم"، فيكون لتصديق الْمُخْبِر، ولإعلام الْمُستَخْبر، ولوعد الطالب، فتقع بعد "قام زيد"، و"هل قام زيد؟ "، و"اضرب زيدًا"، ونحوهنّ، كما تقع "نَعَمْ" بعدهنّ، وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام، نحو {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53]، ولا تقع عند الجميع إلا قبل القسم، وإذا قيل: "إي والله"، ثم أُسقطت الواو جاز سكون الياء، وفتحها، وحذفها، وعلى الأول فيلتقي ساكنان على غير حدّهما. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج - رحمه الله - المذكور أولَ الكتاب قال:
[842] ( ... ) - (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاء، فَقَالَ رَجُلٌ: لِي حَاجَةٌ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِيه، حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ، أَوْ بَعْضُ الْقَوْم، ثُمَّ صَلَّوْا).
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 - (أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ) أبو جعفر السَّرَخْسيّ، ثقةٌ حافظٌ [11] (ت 253) (خ م دت ق) تقدم في "المقدمة" 6/ 93.