وفيه قول ثالث، قاله مالك، قال: لا يَرَى أهلُ العلم أبوال ما أُكِل لحمه، وشُرِب لبنه من الأنعام نَجَسًا، وكذلك أبعارها، وهم يستحسنون مع ذلك غسلها، ولا يرون بالاستشفاء بشرب أبوالها بأسًا، ويكرهون أبوال ما لا يؤكل لحمه من الدواب، وأرواثها الرَّطْبة ويرون أن يعيد ما كان في الوقت، ويكرهون شرب أبوالها وألبانها، هذه حكاية ابن وهب عنه.
وحَكَى ابنُ القاسم أن مالكًا كان لا يَرَى بأسًا بأبوال ما أُكل لحمه، مما لا يأكل الْجِيَف، وأرواثها إن وقع في الثوب، وقال في الطير التي تأكل الجيف والأذى: يعيد من كان في ثوبه منه شيء صلاته في الوقت، قال: فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه.
ووَقَفَ أحمد عن الجواب في أبوال ما يؤكل لحمه مرةً، وقال مرة: يُنَزَّه عن بول الدواب كلها أحبّ إليّ، ولكن البغل والحمار أشدّ، وقال إسحاق كذلك، وقد اختلف قول أحمد في هذا الباب.
وقالت طائفة: الأبوال كلها سوى بول بني آدم طاهرٌ لا يجب غسله، ولا نضحه إلا أن يوجَب ذلك مما يجب التسليم له، قال: وليس بين بول ما أُكل لحمه، وما لا يؤكل لحمه فرق؛ لأن الفرائض لا تجب إلا بحجة.
وقدْ ذَكَر مغيرة بن أبي معشر أنه قال: بال بَغْلٌ قريبٌ مني، فتنحيت، فقال لي إبراهيم: ما عليك لو أصابك، وقد رَوَينا عن عطاء، والزهريّ أنهما أمرا بالرشّ على بول الإبل، وقال النعمان في روث الفرس، وروث الحمار، والروثِ كلِّهِ: سواءٌ إذا أصاب الثوبَ منه أكثر من الدرهم لم تجز الصلاة فيه، وكذلك إذا أصاب الخفّ والنعل.
وقال يعقوب ومحمد: يجزيه إلا أن يكون كثيرًا فاحشًا، وقال النعمان في بول الفرس: لا يُفسِد إلا أن يكون كثيرًا فاحشًا، وبول الحمار يُفسد إذا كان أكثر من الدرهم، وهو قول النعمان ويعقوب، وقال محمد: لا يُفسد بول الفرس، وإن كان كثيرًا فاحشًا؛ لأنه بول ما يؤكل لحمه.
وقال النعمان في أَخْثاء البقر، وخُرء الدجاج، مثلُ السِّرْقين: يُفسد منه أكثر من قدر الدرهم، وكذلك قال يعقوب ومحمد في خُرء الدجاج خاصةً، وقال محمد: الكثير الفاحش الربعُ فصاعدًا.