وبعض السلف ذهبوا إلى أن الأفضل هو الحجر، وربما أوهم كلام بعضهم أن الماء لا يُجزي.
وقال ابن حبيب المالكيّ: لا يجزئ الحجر إلا لمن عَدِمَ الماء، وهذا خلاف ما عليه العلماء، من السلف والخلف، وخلاف ظواهر السنن المتظاهرة. انتهى كلام النوويّ (?).
وقال في "الفتح" عند البخاريّ رحمه الله: "باب الاستنجاء بالماء": أراد بهذه الترجمة الردّ على مَن كرهه، وعلى مَن نَفَى وقوعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد رَوَى ابنُ أبي شيبة بأسانيد صحيحة، عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - أنه سئل عن الاستنجاء بالماء، فقال: إذًا لا يزال في يدي نَتْنٌ، وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء، وعن ابن الزبير قال: ما كنا نفعله، ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استَنْجَى بالماء، وعن ابن حبيب من المالكية أنه مَنَع الاستنجاء بالماء؛ لأنه مطعوم. انتهى (?).
وقد تقدّم أن ابن المنذر حَكَى عن سعد بن أبي وقّاص، وحُذيفة، وابن الزبير - رضي الله عنهم - أنهم كانوا لا يرون الاستنجاء بالماء، وعن سعيد بن المسيّب، قال: ما يفعل ذلك إلا النساء، وقال عطاء: غسل الدبر مُحدَث. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: كلّ هذه الأقوال يردّها ما ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث الكثيرة الصحيحة، فالاستنجاء بالماء سنّة ثابتةٌ، قد وردت به أحاديث كثيرة:
(فمنها): حديث أنسٍ - رضي الله عنه - المذكور في الباب.
(ومنها): حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت لنسوة: "مُرْنَ أزواجكنّ أن يستنجوا بالماء، فإني أستحييهم منه، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله"، وهو حديث صحيح، أخرجه أحمد، والترمذيّ، والنسائيّ.
(ومنها): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة، فاستنجى، ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر، فتوضّأ"، وهو حديث حسنٌ، أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وغير ذلك.