غيرها، كالماء وغيره، أما بغير آلة، فحرام غير مجزئ بلا خلاف، واليسرى في ذلك كاليمين. انتهى (?).
(وَلَا يَتَنَفَّسْ) وفي نسخة: "ولا يتنفّسَنَّ" بنون التوكيد، وهو من باب التفعيل أيضًا (فِي الإِنَاءِ") أي الوعاء، جمعها آنيةٌ، وجمع الآنية الأواني، مثلُ سِقَاءٍ، وأسقيةٍ، وأساقي، وأصله غير مهموز، ولهذا ذكره الجوهريّ في باب "أَنى، فعلى هذا أصله إنايٌ، قُلبت الياء همزةً؛ لوقوعها في الطرف بعد ألف ساكنة"؛ قاله العينيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معناه: لا يتنفّس في نفس الإناء، وأما التنفّس ثلاثًا خارج الإناء فسنّة معروفة، قال العلماء: والنهي عن التنفّس في الإناء هو من طريق الأدب؛ مخافة من تقذيره، ونتنه، وسقوط شيء من الفم والأنف فيه، ونحو ذلك. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: إن أراد بقوله: "هو من طريق الأدب" أن النهي للتنزيه، لا للتحريم، ففيه نظر؛ لما سيأتي في المسألة الرابعة.
[تنبيه]: قيل: الحكمة في النهي عن التنفّس في الإناء أنه أبعد عن تقذير الإناء والماء، فإنه من الطف الجواهر، وأقبلها للتغيّر بالريح، وعن خروج شيء تَعَافُهُ النفس من الفم، فإذا أبانه عند إرادة التنفّس أمن من ذلك، وقد ثبت إبانة الإناء للتتفّس ثلاثًا، وهو في هذا الحديث مطلقٌ، ولأن إبانة الإناء أهنأ في الشرب، وأحسن في الأدب، وأبعد عن الشره، وأخفّ للمعدة، وإذا تنفّس في الإناء، واستوفى رِيّه حمله ذلك على فوات ما ذكرناه من حكمة النهي، وتكاثر الماء في حلقه، وأثقل معدته، وربّما شُرق به، وآذى كبده.
وقيل: علّة الكراهة أن كلّ عبّة شربةٌ مستأنفة، فيستحبّ الذكر في أولها، والحمد في آخرها، فإذا وصل، ولم يفصل بينها، فقد أخلّ بسنن كثيرة.
وقد أخرج الطبرانيّ في "الأوسط" بسند حسن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فيه