الغُرّة والتحجيل، لا أصل الوضوء، وقد صرح بذلك في رواية لمسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضًا مرفوعًا قال: "سِيمَا ليست لأحد غيرِكُم"، وله من حديث حُذيفة - رضي الله عنه - نحوه، و"سِيما" - بكسر المهملة، وإسكان الياء الأخيرة - أي علامة.
وقد اعتَرَض بعضهم على الْحَلِيميّ بحديث: "هذا وضوئي، ووضوء الأنبياء قبلي"، وهو حديث ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به؛ لضعفه، ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء، دون أُممهم إلا هذه الأمة. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الاحتمال الثاني يُبعده ما تقدّم من قصّة سارة، وجُريج، فالصواب الردّ بضعف الحديث.
والحاصل أن الوضوء ليس خاصًّا بهذه الأمة، وإنما خصّها الله تعالى على سائر الأمم بالغرّة والتحجيل؛ زيادة في رفعة درجتها؛ لرفعة درجة نبيّها - صلى الله عليه وسلم -، فإن الله تعالى خصّه بفضله العظيم، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال:
[586] ( ... ) - (وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنِي (?) ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهَ، أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْه، حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْن، ثُمَّ غَسَلَ