وأصل التوكّل الوُكُول، يقال: وَكَلت أمري إلى فلان: أي ألجأته إليه، واعتمدتُ فيه عليه، ووَكَل فلانٌ فلانًا: استكفاه أمره؛ ثقةً بكفايته، والمراد بالتوكل اعتقاد ما دَلَّت عليه هذه الآية: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} [هود: 6]، وليس المراد به تركَ التسبب، والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين؛ لأن ذلك قد يَجُرّ إلى ضِدّ ما يراه من التوكل، وقد سُئِل أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - عن رجل جَلَسَ في بيته، أو في المسجد، وقال: لا أعمل شيئًا حتى يأتيني رزقي، فقال: هذا رجلٌ جَهِلَ العلم، فقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جَعَل رزقي تحت ظل رُمحي" (?)، وقال: "لو توكلتم على الله حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تَغْدُو خماصًا، وتروح بطانًا" (?)، فذكر أنَّها تغدو، وتروح في طلب الرزق، قال: وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يتّجرون، ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم. انتهى (?).

وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة السابعة - إن شاء الله تعالى -.

(فَقَامَ عُكَاشَةُ) تقدّم أنه بضمّ العين، وتشديد الكاف، وقد تُخفَّف (بْنُ مِحْصَنٍ) بكسر، فسكون (فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: "أنتَ مِنْهُمْ") تقدّم أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم اجعله منهم"، ويُجمَعُ بأنه دعا له أَوَّلًا، ثم أخبره بأنه استجيبت دعوته له (ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ) لَمْ يُعرَف، وما قيل: إنه سعد بن عُبادة - رضي الله عنه - قد تقدّم ردّه (فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("سَبَقَكَ بِهَا) أي بهذه الدرجة، أو بهذه الدعوة (عُكَّاشَةُ")، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015