وقد روي أن يوم الجمعة أفضل من يوم الفطر ويوم النحر. خرّجه الإمام
أحمد في "مسنده"، وقال مجاهد وغيره. وروي أنه حج المساكين، وروي عن
علي أنه يوم نُسك المسلمين. وقال ابن المسيب: الجمعة أحب إليّ من حج
التطوع. وجعل الله التبكير إلى الجمعة كالهدي؛ فالمبكر في أول ساعة
كالمُهدي بدنة، ثم كالمهدي بقرة، ثم كالمهدي كبشًا، ثم كالمهدي دجاجة،
ثم كالمهدي بيضة. ويوم الجمعة يوم المزيد في الجنة الذي يزور أهل الجنة فيه
ربهم ويتجلى لهم في قدر صلاة الجمعة. وكذلك روي في يوم العيدين أن أهل
الجنة لا يزورون ربهم فيهما، وأنه يتجلى فيهم لأهل الجنة عمومًا يشارك الرجال
فيها النساء. فهذه الأيام أعياد للمؤمنين في الدنيا والآخرة عمومًا.
وأما خواص المؤمنين: فكل يوم لهم عيد كما قال بعض العارفين.
وروي عن بعضهم: كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد. ولهذا روي أن خواص
أهل الجنة يزورون ربهم وينظرون إليه كل يوم مرتين بكرة وعشيًا. وقد خرّجه
الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا.
ولهذا المعنى -والله أعلم- لمّا ذكر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الرؤية في حديث جرير بن
عبد الله البجلي أمر عقب ذلك بالمحافظة على الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل
غروبها؛ فإن هذين الوقتين وقت رؤية خواص أهل الجنة ربهم، فمن حافظ
على هاتين الصلاتين على مواقيتها وأدائهما وخشوعهما وحضور القلب فيهما
رجي له أن يكون ممن ينظر إلى الله في الجنة في وقتهما.
فتبيَّن بهذا: أن الأعياد تتعلق بإكمال أركان الإسلام؛ فالأعياد الثلاثة
المجتمَع عليها تتعلق بإكمال الصلاة والصيام والحج؛ فأما الزكاة: فليس لها
زمان معين تكمل فيه، وأما الشهادتان: فإكمالهما هو الاجتهاد في الصدق
فيهما، وتحقيقهما والقيام بحقوقهما. وخواص المؤمنين يجتهدون على ذلك كل
يوم ووقت؛ فلهذا كانت أيامهم كلها أعياد، ولذلك كانت أعيادهم في الجنة
مستمرة. انتهى ما كتبه الحافظ ابن رجب رحمه الله (?)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، والله
تعالي أعلم.