شرح الحديث:
(عَنْ صُهَيْبِ) الروميّ - رضي الله عنه -؛ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)؛ أي: في الأمم السابقة، قال صاحب "التنبيه": هو يوسف ذو نواس،
قال ابن بشكوال: وفي "الزهر الباسم": أن اسمه يوسف بن شراحيل الْحِمْيريّ.
انتهى (?). (وَكَانَ لَهُ)؛ أي: لذلك الملك (سَاحِرٌ) قال الشريف النسّابة: هو
دُولعان، (فَلَمَّا كَبِرَ) بكسر الباء؛ أي: أسنّ (قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ)، أي:
فأخاف أن أموت، فينقطع عنكم هذا العلم، (فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا) ذكيًّا فطنًا يقبل
التعليم (أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ) الملك (إِلَيْهِ)، أي: الساحر، (غُلَامًا) هو
عبد الله بن ثامر، قاله الدمياطيّ، وابن بشكوال. (يُعَلِّمُهُ)؛ أي: السحر، (فَكَانَ
فِي طَرِيقِهِ)؛ أي: على طريق ذلك الغلام (إِذَا سَلَكَ) ذاهبًا إلى الساحر، ليتعلّم
منه السحر، وقوله: (رَاهِبٌ) اسم "كان" مؤخّرًا، والراهب واحد رُهبان
النصارى، وهو من اعتزل الناس إلى دَير طلبًا للعبادة، قال الدمياطيّ: اسمه
فَيْميون، وقيل: غيره. (فَقَعَدَ) الغلام (إِلَيْهِ)؛ أي: عند ذلك الراهب (وَسَمِعَ
كَلَامَهُ)؛ أي: كلام الراهب في عقائد التوحيد، وغيرها (فَأَعْجَبَهُ)؛ أي: أعجب
ذلك الغلام كلام الراهب، (فَكَانَ) الغلام (إِذَا أَتَى السَّاحِرَ)؛ أي: إذا أراد أن
يأتيه (مَرَّ بِـ) ـذلك (الرَّاهِبِ، وَقَعَدَ إِلَيْهِ)؛ أي: عنده ليسمع كلامه، (فَإِذَا أَتَى
السَّاحِرَ ضَرَبَهُ) لتأخره، (فَشَكَا) الغلام (ذَلِكَ)؛ أي: ضَرْب الساحر له، (إِلَى
الرَّاهِبِ)؛ أي: أخبره على سبيل الشكوى إليه، (فَقَالَ) الراهب للغلام معلّمًا
الحيلة له؛ لينجو من ضربه: (إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ)؛ أي: ضَرْبه لتأخرك (فَقُلْ:
حَبَسَنِي أَهْلِي)؛ أي: أخّرني أهل بيتي عن الحضور إليك، (وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ)؛
أي: ضرْبهم لك لتأخرك أيضًا، (فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ) بسبب الدرس عنكم.
قال القاضي عياض رحمه اللهُ: في هذا الحديث جواز الكذب للضرورة، لا سيّما
في الله تعالى، والدفع عن الإيمان، ومع من أراد أن يصدّ عنه، قال القرطبيّ: وجه
الاستدلال به كونه - صلى الله عليه وسلم - ذكره في معرض الثناء على الراهب والغلام، واستحسان
فِعلهما؛ إذ لو كان غير جائز لبيّنه - صلى الله عليه وسلم -، والبيان لا يؤخّر عن وقت الحاجة.