قال ابن العربيّ: وهذا نصّ صحيح مَلِيحٌ، غاب عن أهل التفسير،
فجهلُوا، وجَهَّلُوا، والحمد لله على المعرفة.
(مَالِي مَالِي)، أي: يغترّ بنسبة المال إليه، وكونه في يديه، حتّى ربّما
يعجب به، ويفخر به، ولعلّه ممن تعب هو في جَمْعه، ويصل غيرُه إلى نفعه،
ثم أخبر -صلى الله عليه وسلم- بالأوجه التي ينتفع فيها صاحب المال بماله، فـ (قالَ) -صلى الله عليه وسلم- (وَهَلْ
لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ) هذا خطاب لكلّ من يصلح له الخطاب، (مِنْ مَالِكَ إِلَّامَا
أَكَلْتَ، فَأَفنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ، فَأَبْلَيْتَ) إنكار منه -صلى الله عليه وسلم- على ابن آدم بأن ماله هو ما
انتفع به في الدنيا بالأكل، أو اللبس، أو في الآخرة بالتصدّق، وأشار بقوله:
"فأفنيت"، "فأبليت " إلى أن ما أكل، أو لبس، فهو قليل الجدوى، لا يرجع
إلى عاقبة. قاله السنديّ، (أَوْ تَصَدَّقْتَ، فَأَمْضَيْتَ؟ ")؛ أي: أردت التصدّق،
فأمضيتَ ذلك، أو تصدّقت، فقدّمت لآخرتك. وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
الآتي: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول العبد: مالي، مالي، إنما ماله ثلاث: ما
أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك، فهو ذاهب،
وتاركه للناس"، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن الشخِّير -رضي الله عنه- هذا من أفراد
المكصنّف رحمه الله.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [1/ 0 739 و 1 739] (2958)، و (الترمذيّ) في
"الزهد" (2342) و"التفسير" (2354)، و (النسائيّ) في "المجتبى" (3640)
و"الكبرى" (6440 و 11696)، و (أحمد) في "مسنده " (4/ 24) وفي "الزهد"
(ص 17)، و (ابن المبارك) في "الزهد" (497)، و (أبو نعيم) في "الحلية" (6/
281)، و (ابن حبّان) في "صحيحه " (701)، و (الطيالسيّ) في "مسنده "
(1148)، و (القضاعيّ) في "مسند الشهاب " (1217)، و (الحاكم) في
"المستدرك " (2/ 533 و 534 و 4/ 322 و 323)، و (الخطيب) في "تاريخ بغداد"
(1/ 359)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (4055)، والله تعالى أعلم.