(أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ)؟ أي: قبل أن يتوجه إليكم أمر العامة، والرياسة،
فيشغلكم عن صالح الأعمال.
وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "بادروا إلخ"، وفي الرواية الثانية: الدجال،
والدخان، إلى قوله: "وخويصة أحدكم" فذكر الستة في الرواية الأولى معطوفة
بـ "أو" التي هي للتقسيم، وفي الثانية بالواو، قال هشام: خاصة أحدكم:
الموت، وخويصة تصغير خاصّة، وقال قتادة: أمر العامة: القيامة، كذا ذكره
عنهما عبد بن حميد. انتهى (?).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "بادروا"؛ أي: سابقوا بالأعمال الصالحة،
واغتنموا التمكن منها قبل أن يُحال بينكم وبينها بداهية من هذه الدواهي
المذكورة، فيفوت العمل للمانع، أو تُعدم منفعته لعدم القبول، وقد تقدّم القول
على أكثر هذه الست.
وقوله: "وخاصّة أحدكم" يعني به الموانع التي تخصّه مما يمنعه العملَ،
كالمرض، والكِبَر، والفقر المنسي، والغنى المطغي، والعيال، والأولاد،
والهموم، والأنكاد، والفتن، والمحن، إلى غير ذلك مما لا يتمكن الإنسان مع
شيء منه من عمل صالح، ولا يَسْلَم له، وهذا المعنى هو الذي فصّله في حديث
آخر، حيث قال: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل
سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك" (?).
وقوله: "وأمر العامّة": يعني الاشتغال بهم فيما لا يتوجه على الإنسان
فرضه، فإنَّهم يُفسدون من يقصد إصلاحهم، ويُهلكون من يريد حياتهم، لا سيما
في مثل هذه الأزمان التي قد مَرِجَت (?) فيها عهودهم، وخانت أماناتهم،
وغلبت عليهم الجهالات، والأهواء، وأعانهم الظلمة السفهاء، وعلى هذا فعلى
العامل بخويصة نفسه، والإعراض عن أبناء جنسه، إلى حلول رَمْسه، أعاننا الله
على ذلك بفضله، وكرمه.