أن هؤلاء الناس يتركونه إلى من لا يكون أكثر علمًا، ولا صحبة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - منه
يريد بذلك عمران، ونحوه، وفي رواية الحاكم: "فقال هشام: إن هؤلاء
يجتازون إلى رجل، قد كنا أكثر مشاهدة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، وأحفظ عنه".
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله هشام بن عامر - رضي الله عنهما - هو عين
النصيحة، وهو عين الإنصاف، وليس من باب الحسد، ولا الاستخفاف بقدر
عمران - رضي الله عنه -، وإنما هو إرشاد لهؤلاء الذين قصّروا، وتركوا الاستفادة منه،
واتّجهوا إلى غيره، مع أنه أعلى منه، وهكذا ينبغي للعالم إذا رأى من طلاب
العلم تقصيرًا في الاستفادة منه، واشتغالًا بغيره ممن ليس في درجته علمًا، أو
علوّ سند، فينبههم على تقصيرهم، ولا يتوهّم أن هذا يكون حسدًا، أو مدحًا
للنفس، أو نحو ذلك، فقد قال يوسف -عليه السلام-: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]،
فمدح نفسه بالحفظ والعلم؛ ليستفيد منه الناس، فهكذا ينبغي للعالم أن يتأسّى
به، وله في ذلك الأجر العظيم، والله تعالى أعلم.
(سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا) نافية، (بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ) -عليه السلام- (إِلَى قِيَامِ
السَّاعَةِ خَلْق أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ") قال النوويّ -رحمه الله-: المراد أكبر فتنةً، وأعظم
شوكةً، وقال المناويّ -رحمه الله-: أي لا يوجد في هذه المدة المديدة أمرٌ أكبرُ؛
أي: مخلوق أعظم شوكةً من الدجال؛ لأن تلبيسه عظيم، وتمويهه، وفتنته
كَقِطَع الليل البهيم، تدع اللبيب حيرانًا، والصاحي الفطن سكرانًا، لكن ما يظهر
من فتنته ليس له حقيقة، بل تخييل منه، وشعبذة، كما يفعله السحرة،
والمتشعبذون. انتهى (?).
وقال ابن الجوزيّ -رحمه الله-: فيه وجهان:
أحدهما عِظَم خَلْقه، فقد أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن
المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن
حنبل، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا محمد بن سابق، قال: أخبرنا إبراهيم بن
طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج الدجال،
وله حمار يركبه، عَرْض ما بين أذنيه أربعون ذراعًا".