اليمن، وذكر جماعة أنه مات هناك، فيصدق أنه أصيب في الجهاد مع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي: في طاعته، ولا يلزم من هذا أن تكون بينونتها منه
بالموت، وإنما هو بالطلاق االسابق على الموت، ولكن هذا التأويل لا يلتئم مع
قولها: "في أول الجهاد"؛ لأن ذهابه إلى اليمن لا يصدق عليه أنه أول الجهاد،
ثم إنه مخالف لقولها: "تأيمت"، فإن ظاهره أنها تأيّمت باستشهاد زوجها في
الجهاد، وذكر جماعة من أهل السِّيَر أنه لم يمت في اليمن، بل بقي إلى خلافة
عمر - رضي الله عنه -.
واستظهر صاحب "التكملة" أن هذا وَهَمٌ من بعض الرواة، وذلك لأنه
روى هذا الحديث سيّار أبو الحكم عن الشعبيّ، كما سيأتي في الرواية التالية،
فلم يذكر فيه إصابته في الجهاد، وإنما ذكر قول فاطمة: "طلقني بعلي ثلاثاً"
فلعلها ذكرت فضائل زوجها، ومن جملتها كونه أصيب بجهاد معه - صلى الله عليه وسلم -، فلعلّ
أحد الرواة ظنّ أن تأيمها كان بسبب موت زوجها في الجهاد، فذكره بالسياق
المذكور، وقد ذكر الحافظ في "الفتح" احتمال كونه وهماً. انتهى (?).
(فَلَمَّا تَأَيّمْتُ) قال النوويّ - رحمه الله -: أي صرت أيّماً، وهي التي لا زوج لها،
قال العلماء: قولها: "فأصيب" ليس معناه أنه قُتل في الجهاد مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -،
وتأيمت بذلك، إنما تأيمت بطلاقه البائن، كما ذكره مسلم في الطريق الذي بعد
هذا، وكذا ذكره في "كتاب الطلاق"، وكذا ذكره المصنفون في جميع كتبهم،
وقد اختلفوا في وقت وفاته، فقيل: توفّي مع عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - عقب
طلاقها باليمن، حكاه ابن عبد البرّ، وقيل: بل عاش إلى خلافة عمر - رضي الله عنه -،
حكاه البخاريّ في "التاريخ"، وإنما معنى قولها: "فأصميب"؛ أي: بجراحة، أو
أصيب في ماله، أو نحو ذلك، هكذا تأوله العلماء، قال القاضي: إنما أرادت
بذلك عَدّ فضائله، فابتدأت بكونه خير شباب قريش، ثم ذكرت الباقي.
انتهى (?).
وعبارة الحافظ - رحمه الله - في "الفتح": واتفقت الروايات عن فاطمة بنت قيس
على كثرتها عنها أنها بانت بالطلاق، ووقع في آخر "صحيح مسلم" في حديث