قبل ذلك فيه من القتال، وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية، ثم من

بعده في وقائع كثيرة، من أعظمها وقعة القرامطة بعد الثلاثمائة، فقتلوا من

المسلمين في المطاف من لا يُحصى كثرةً، وقلعوا الحجر الأسود، فحوّلوه إلى

بلادهم، ثم أعادوه بعد مدّة طويلة، ثم غُزي مرارًا بعد ذلك. وكلّ ذلك لا

يعارض قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} الآية [العنكبوت: 67]؛ لأن

ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين، فهو مطابق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولن يستحلّ هذا البيت

إلا أهله". فوقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، وهو من علامات نبوّته، وليس في الآية ما

يدلّ، على استمراو الأمر المذكوو فيها. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (?).

وقال العينيّ رحمه الله ما ملخّصه: لا يلزم من قوله: {حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: 67] أن يكون ذلك دائمًا في كلّ الأوقات، بل إذا حصل له حرمة، وأمْن في

وقت ما صَدَق عليه هذا اللفظ، وصحّ المعنى، ولا يعارضه ارتفاع ذلك المعنى

في وقت آخر. وقال: والحكم بالحرمة، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وقد عادت حرمتها إلى

يوم القيامة" لا يرتفع إلى يوم القيامة، وأما وقوع الخوف فيها، وترك الحرمة،

فقد وُجد ذلك في أيام يزيد وغيره كثيرًا.

وقال عياض: {حَرَمًا آمِنًا}؛ أي: إلى قرب القيامة. وقيل: يختصّ منه

قصّة ذي السويقتين.

وقال ابن الجوزيّ: إن قيل: ما السرّ في حراسة الكعبة من الفيل، ولم

تُحرس في الإسلام مما صنع بها الحجاج، والقرامطة، وذو السويقتين؟ .

فالجواب: أن حبس الفيل كان من أعلام النبوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودلائل

رسالته لتأكيد الحجة عليهم بالأدلة التي شوهدت بالبصر قبل الأدلة التي ترى

بالبصائر، وكان حكم الحبس أيضًا دلالة على وجود الناصر. ذكره العينيّ (?).

وقد عقد الإمام البخاويّ رحمه الله في "صحيحه" بابًا بقوله: "باب قول الله

تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [المائدة: 97] "، ثم أورد فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عنه هذا.

قال الحافظ رحمه الله: كأنه يشير إلى أن المراد بقوله: {قِيَامًا} [المائدة: 97]؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015