وأما فسقة الجن فهذا لا يُعرف إلَّا بتوقيف ممن يجب التسليم له، وذلك
معدوم في هذه القصة.
ولأهل الكوفة والبصرة روايات رواها علماؤهم في فضائلها، ذكر أبو
بكر بن أبي شيبة وغيره كثيرًا منها، ولم تختط الكوفة، ولا البصرة إلَّا برأي
عمر - رضي الله عنه -؛ ونزلها جماعة من كبار الصحابة، وكان بها العلماء والعبّاد
والفضلاء وأهل الأدب والفقهاء وأهل العلم، وهذا أشهر، وأغرب من أن
يحتاج إلى استشهاد؛ لأنه عِلْم ظاهر، وعِلْمُ فسقة الجن عِلْم باطن، وكل آية
تعرف لناحيتها فضلًا تنشره إذا سئلت عنه، وتطلب العيب لمن عابها، ومن
طلب عيبًا وجده، والفاضل حيث كان فهو فاضل، والمفضول الساقط حيث
كان من البلدان لا تصلحه بلدة؛ لأنَّ الأرض لا تقدس صاحبها، وإنما يقدس
المرء عمله، وإن من مدح بلدة وذم أخرى يحتاج إلى توقيف ممن يجب التسليم
له، على أنَّه لا مدح ولا ذم لبلدة، إلَّا على الأغلب من أحوال أهلها، وأما
على العموم فلا، وقد عمَّ البلاء والفتن اليوم في كلّ جهة من جهات الدنيا.
انتهى كلام ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رَحِمَهُ اللهُ - أوّلَ الكتاب قال:
[7266] ( ... ) - (وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى (ح) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، قَالَ الْقَوَارِيرِيُّ:
حَدَّثَنِي يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ عِنْدَ بَابِ حَفْصَةَ، فَقَالَ بِيَد نَحْوَ الْمَشْرِقِ: "الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، مِنْ
حَيْثُ يَطْالعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ"، قَالَهَا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ فِي
رِوَايَتِهِ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ بَابِ عَائِشَةَ).
رجال هذا الإسناد: سبعة:
1 - (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ) أبو سعيد البصريّ، نزيل بغداد، ثقةٌ
ثبتٌ [10] (235) على الأصح، وله خمس وثمانون سنةً (خ م د س) تقدم في
"المقدمة" 6/ 75.