والمعنى: أن المسلمين يبعثون مقدمتهم على أنَّ لا ينهزموا، بل يتوقفوا، ويثبتوا
إلى أن يُقتَلوا، أو يَغلبوا. انتهى (?).
(فَيَقْتِلُونَ)؛ أي: الفريقان من العدوّ الروم، ومن المسلمين (حَتَّى يَحْجُزَ)
بفتح أوله، وضمّ ثالثه، وكسره، من بابي نصر، وضرب؛ أي: يحول، ويمنع،
(بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ)؛ أي: ظلامه، (فَيَفِيءُ)؛ أي: يرجع (هَؤُلَاءِ) المسلمون إلى
معسكرهم، (وَهَؤُلَاءِ) الروم إلى معسكرهم، (كُلٌّ)؛ أي: كلّ واحد من الفريقين
(غَيْرُ غَالِبٍ) لمقاتليه، واستشكل هذا مع قوله: (وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ) لأنه إذا فنيت
الشرطةٍ: صارت مغلوبة، والأخرى غالبة، ويُجاب بأن عدم الغلبة إنما هو
بالنسبة للعسكر العظيم، فإن هلاك الشرطة لا يستلزم كون العسكر مغلوب،
والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ يَشْتَرِطُ)؛ أي: يقتطع (الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً) ثانية (لِلْمَوْتِ)؛ أي: تتقدّم
للقتال حتى تموت، (لَا تَرْجِعُ) إلى جيشها (إِلَّا غَالِبَةً) لعدوّها، (فَيَقْتَتِلُونَ) في
اليوم الثاني (حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ)؛ أي: يرجع (هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ
غَيْرُ غَالِبا، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ) الثانية أيضًا. (ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ)؛ أي: يقتطعون
للمرّة الثَّالثة (شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا)؛ أي:
يدخلوا في المساء، (فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ)
الثالثة، (فَإِذَا كَانَ) تامّة، أي: جاء (يَوْمُ الرَّابِعِ) هكذا النُّسخ بإضافة "يوم" إلى
"الرابع"، فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة، ووقع في مختصر القرطبيّ
بلفظ: "اليوم الرابع"، وهو واضح. (نهيدَ) بفتح النون، والهاء، أي: نهض
وتقدّم، والنهود في الأصل: الارتفاع، ومنه نهود الثديين. (إِلَيْهِمْ)؛ أي: إلى
الروم الكَفّار، (بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ)، أي: ما تبقّى من الجيش بعد فناء تلك
الشرطة، (فَيَجْعَلُ اللهُ الدَّبْرَةَ)، أي: الدائرة، والهزيمة، وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -:
قوله: "الدَّبْرة" كذا لكافّتهم، بالباء الموحّدة الساكنة، ورواه العذريّ: "الدائرة"
ومعنا هما متقارب، قال الأزهريّ: الدائرة: الدولة تدور على الأعداء، والدَّبْرة: