فيهلك حينئذ القليل والكثير، ثم يُحشر كل أحد على نيته، قال: وكأن

زينب -رضي الله عنها- فَهِمت من فَتْح القَدْر المذكور من الردم أن الأمر إن تمادى على

ذلك اتسع الخرق، بحيث يخرجون، وكان عندها علم أن في خروجهم على

الناس إهلاكًا عامًّا لهم. انتهى.

3 - (ومنها): ما قاله ابن العربيّ أيضًا: في الإشارة المذكورة في الحديث

دلالةً على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم عقد الحساب، حتى أشار بذلك لمن يعرفه، وليس

في ذلك ما يعارض قوله في الحديث الآخر: "إنا أمة أميّة لا نحسُب، ولا

نكتب"، فإن هذا إنما جاء لبيان صورة معيّنة خاصّة.

قال الحافظ: والأَولى أن يقال: المراد بنفي الحساب ما يتعاناه أهل

صناعته من الجمع والْفَذْلكة، والضرب، ونحو ذلك، ومن ثَمّ قال: "ولا

نكتب"، وأما عقد الحساب فإنه اصطلاح للعرب تواضعوه بينهم ليستغنوا به عن

التلفظ، وكان أكثر استعمالهم له عند المساومة في البيع، فيضع أحدهما يده في

يد الآخر، فيفهمان المراد من غير تلفظ؛ لِقَصد ستْر ذلك عن غيرهما، ممن

يحضرهما، فشَبَّه -صلى الله عليه وسلم- قدر ما فُتح من السد بصفة معروفة عندهم.

[تنبيه]: قال الحافظ رحمه الله: قد أكثر الشعراء التشبيه بهذه العقود، ومن

ظريف ما وقفت عليه من النظم في ذلك قول بعض الأدباء:

رُبَّ بُرْغُوثٍ لَيْلَةً بِتُّ مِنْهُ ... وَفُؤَادِي فِي قَبْضَةِ التِّسْعِينِ

أَسَرَتْهُ يَدُ الثَّلَاثِينَ حَتَّى ... ذَاقَ طَعْمَ الْحِمَامِ فِي السَّبْعِينِ

وعَقْد الثلاثين أن يضم طرف الإبهام إلى طرف السبابة مثل من يُمسك

شيئًا لطيفًا كالإبرة، وكذلك البرغوث، وعقد السبعين أن يجعل طرف ظفر

الإبهام بين عقدتي السبابة من باطنها، ويلوي طرف السبابة عليها مثل ناقد

الدينار عند النقد، وقد جاء في خبر مرفوع أن يأجوج ومأجوج يحفرون السدّ

كل يوم، وهو فيما أخرجه الترمذيّ وحسّنه، وابن حبان، والحاكم، وصححاه

من طريق قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، رفعه في السدّ "يحفرونه كل

يوم حتى إذا كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستخرقونه غدًا،

فيعيده الله كأشدّ ما كان، حتى إذا بلغ مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم قال الذي

عليهم: ارجعوا، فستخرقونه غدًا إن شاء الله، واستثنى، قال: فيرجعون،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015