قال الجامع عفا الله عنه: أما ما يتعلّق بالجزء الأول، فقد مضى شرحه

في سياق المصنّف، فلنشرح ما يتعلّق بالجزء الثاني، فنقول:

قوله: "وأما المنافق، والكافر" كذا في هذه الطريق بواو العطف، وتقدم

بلفظ: "وأما الكافر، أو المنافق" بالشكّ، وفي رواية أبي داود: "وأن الكافر

إذا وُضع" وكذا لابن حبان من حديث أبي هريرة، وكذا في حديث البراء

الطويل، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: "وإن كان كافرًا، أو منافقًا"

بالشك، وله في حديث أسماء: "فإن كان فاجرًا، أو كافرًا"، وفي "الصحيحين"

من حديثها: "وأما المنافق، أو المرتاب"، وفي حديث جابر عند عبد الرزاق،

وحديث أبي هريرة عند الترمذيّ: "وأما المنافق"، وفي حديث عائشة عند

أحمد، وأبي هريرة عند ابن ماجه: "وأما الرجل السوء"، وللطبرانيّ من حديث

أبي هريرة: "وإن كان من أهل الشك".

قال الحافظ -رحمه الله-: فاختلفت هذه الروايات لفظًا، وهي مجتمعة على أن

كلًّا من الكافر والمنافق يُسأل، ففيه تعقُّب على من زعم أن السؤال إنما يقع

على من يدّعي الإيمان، إن مُحقًّا وإن مبطلًا، ومستندهم في ذلك ما رواه

عبد الرزاق، من طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين، قال: "إنما يُفتن

رجلان: مؤمن، ومنافق، وأما الكافر فلا يُسأل عن محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا يعرفه"،

وهذا موقوف، والأحاديث الناصّة على أن الكافر يُسأل مرفوعة مع كثرة طرقها

الصحيحة، فهي أَولى بالقبول، وجزم الترمذيّ الحكيم بأن الكافر يُسأل،

واختُلف في الطفل غير المميّز، فجزم القرطبيّ في "التذكرة" بأنه يُسأل، وهو

منقول عن الحنفية، وجزم غير واحد من الشافعية بأنه لا يُسأل، ومن ثَمَّ قالوا:

لا يستحب أن يُلَقَّن، واختُلف أيضًا في النبيّ هل يُسأل؟ وأما الملَك فلا أعرف

أحدًا ذَكَره، والذي يظهر أنه لا يُسأل؛ لأن السؤال يختص بمن شأنه أن يُفتن.

وقد مال ابن عبد البرّ إلى الأول، وقال: الآثار تدلّ على أن الفتنة لمن

كان منسوبًا إلى أهل القبلة، وأما الكافر الجاحد فلا يُسأل عن دينه.

وتعقبه ابن القيم في "كتاب الروح"، وقال: في الكتاب والسُّنَّة دليل على

أن السؤال، للكافر والمسلم، قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27]، وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015